ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه لو عاجل الخلق بالعقوبة لأهلك جميع من في الأرض، ولكنه حليم لا يعجل بالعقوبة. لأن العجلة من شأن من يخاف فوات الفرصة، ورب السموات والأرض لا يفوته شيء أراده. وذكر هذا المعنى في غير هذا الموضع. كقوله في " آخر سورة فاطر "{ وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ } فاطر 45 الأية، وقوله{ وَرَبُّكَ ٱلْغَفُورُ ذُو ٱلرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلْعَذَاب } الكهف 58 الآية. وأشار بقوله { وَلٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّىٰ } إلى أنه تعالى يمهل ولا يهمل. وبين ذلك في غير هذا الموضع. كقوله{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَارُ } إبراهيم 42، وقوله{ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ } العنكبوت 53. وبين هنا أن الإنسان إذا جاء أجله لا يستأخر عنه، كما أنه لا يتقدم عن وقت أجله. وأوضح ذلك في مواضع أخر. كقوله{ إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ } نوح 4 الآية، وقوله{ وَلَن يُؤَخِّرَ ٱللَّهُ نَفْساً إِذَا جَآءَ أَجَلُهَآ } المنافقون 11 الآية، إلى غير ذلك من الآيات. واعلم - أن قوله تعالى{ مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ } النحل 61 فيه وجهان للعلماء أحدهما - أنه خاص بالكفار لأن الذنب ذنبهم، والله يقول{ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } الأنعام 164. ومن قال هذا القول قال { من دابة } أي كافرة. ويروى هذا عن ابن عباس. وقيل المعنى أنه لو أهلك الآباء بكفرهم لم تكن الأبناء. وجمهور العلماء، منهم ابن مسعود، وأبو الأحوص، وأبو هريرة، وقال الآخر
تهوى حياتي وأهوى موتها شفقا والموت أكرم نزال على الحرم
وقد ولدت امرأة أعرابي أنثى، فهجرها لشدة غيظه من ولادتها أنثى فقالت
ما لأبي حمزة لا يأتينا يظل بالبيت الذي يلينا غضبان ألا نلد البنينا ليس لنا من أمرنا ما شينا وإنما نأخذ ما أعطينا
تنبيه لفظة " جعل " تأتي في اللغة العربية لأربعة معان الأول - بمعنى اعتقد. كقوله تعالى هنا{ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَاتِ } النحل 57 قال في الخلاصة وجعل اللذ كاعتقد الثاني - بمعنى صير كما تقدم في الحجر. كقوله{ وَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً } نوح 16. قال في الخلاصة
.. والتي كصيرا وأيضاً بها انصب مبتدأ وخبرا
الثالث - بمعنى خلق. كقوله{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَاتِ وَٱلنُّورَ } الأنعام 1 أي خلق الظلمات والنور. الرابع - بمعنى شرع. كقوله
وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني ثوبي فأنهض نهض الشارب السكر
قال في الخلاصة
كأنشأ السائق يحدو وطفق كذا جعلت وأخذت وعلق
وقوله في هذه الآية الكريمة { سُبْحَانَهُ } أي تنزيها له جل وعلا عما لا يليق بكماله وجلاله، وهو ما ادعوا له من البنات سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً وغيرهم كما نقله عنهم ابن كثير وغيره - على أن الآية عامة.