الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِّمّا رَزَقْنَاهُمْ تَٱللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ }

في ضمير الفاعل في قوله { لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ } وجهان أحدهما - أنه عائد إلى الكفار. أي ويجعل الكفار للأصنام التي لا يعلمون أن الله أمر بعبادتها، ولا يعلمون أنها تنفع عابدها أو تضر عاصيها - نصيباً الخ. كقوله تعالىوَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } الحج 71 ونحو ذلك من الآيات. وقال صاحب الكشاف ومعنى كونهم لا يعلمونها أنهم يسمونها آلهة، ويعتقدون فيها أنها تضر وتنفع، وتشفع عند الله. وليس كذلك! وحقيقتها أنها جماد، لا يضر ولا ينفع. فهم إذاً جاهلون بها. الوجه الثاني - أن واو { يعلمون } واقعة على الأصنام. فهي جماد لا يعلم شيئاً. أي ويجعلون للأصنام الذين لا يعلمون شيئاً لكونهم جماداً - نصيباً إلخ. وهذا الوجه كقولهأَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } النحل 21، وقولهفَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ } يونس 29، وقولهأَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ } الأعراف 195 الآية، إلى غير ذلك من الآيات. وعلى هذا القول - فالواو راجعة إلى " ما " من قوله { لما لا يعلمون }. وعبر عنهم بـ { ما } التي هي لغير العاقل. لأن تلك المعبودات التي جعلوا لها من رزق الله نصيباً جماد لا تعقل شيئاً. وعبر بالواو في { لا يعلمون } على هذا القول لتنزيل الكفار لها منزلة العقلاء في زعمهم أنها تشفع، وتضر وتنفع. وإذا عرفت ذلك - فاعلم أن هذا المعنى المذكور في هذه الآية الكريمة بينه تعالى في غير هذا الموضع. كقولهوَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَىٰ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ للَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَآئِهِمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } الأنعام 136 وذلك أن الكفار كانوا إذا حرثوا حرثاً، أو كانت لهم ثمرة جعلوا لله منها جزءاً، وللوثن جزءاً. فما جعلوا من نصيب الأوثان حفظوه، وإن اختلط به شيء مما جعلوه لله ردوه إلى نصيب الأصنام، وإن وقع شيء مما جعلوه لله في نصيب الأصنام تركوه فيه. وقالوا الله غني والصنم فقير. وقد أقسم جل وعلا على أنه يسألهم يوم القيامة عن هذا الافتراء والكذب! وهو زعمهم أن نصيباً مما خلق الله للأوثان التي لا تنفع ولا تضر في قوله { تَٱللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ } وهو سؤال توبيخ وتقريع.