* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه لم يرسل قبله صلى الله عليه وسلم من الرسل إلا رجالاً، أي لا ملائكة. وذلك أن الكفار استغربوا جداً بعث الله رسلاً من البشر، وقالوا الله أعظم من أن يرسل بشراً يأكل الطعام ويمشي في الأسواق. فلو كان مرسلاً أحداً حقاً لأرسل ملائكة كما بينه تعالى في آيات كثيرة، كقوله{ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاس } يونس 2، وقوله{ بَلْ عَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ } ق 2 الآية، وقوله{ وَقَالُواْ مَا لِهَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ } الفرقان 7، وقوله{ وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } الإسراء 94، وقوله{ ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَقَالُوۤاْ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ وَّٱسْتَغْنَىٰ ٱللَّهُ } التغابن 6 الآية، وقوله{ أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ } القمر 24 الآية، وقوله{ فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِين } المؤمنون 24، وقوله{ وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي ٱلْحَيـاةِ ٱلدُّنْيَا مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } المؤمنون 33-34، وقوله{ قَالُوۤاْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا } إبراهيم 10 الآية، إلى غير ذلك من الآيات. وقد بين الله جل وعلا في آيات كثيرة أن الله ما أرسل لبني آدم إلا رسلاً من البشر، وهم رجال يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق، ويتزوجون، ونحو ذلك من صفات البشر. كقوله هنا{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ } النحل 43 وقوله{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ } يوسف 109، وقوله{ وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي ٱلأَسْوَاقِ } الفرقان 20، وقوله{ وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ فَاسْئَلُوۤاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُواْ خَالِدِينَ } الأنبياء 8، وقوله{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً } الرعد 38، وقوله{ قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ } الأحقاف 9 الآية، إلى غير ذلك من الآيات. وقرأ جمهور القراء هذا الحرف " يوحى إليهم " بالياء المثناة التحتية، وفتح الحاء مبنياً للمفعول. وقرأه حفص عن عاصم " نوحي إليهم " بالنون وكسر الحاء مبنياً للفاعل. وكذلك قوله في آخر سورة يوسف " إلا رجالاً يوحى إليهم من أهل القرى ". وأول الأنبياء " إلا رجالاً يوحى إليهم فاسألوا أهل الذكر.