قوله تعالى { قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ }. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الكفار الذين كانوا قبل كفار مكة قد مكروا. وبين ذلك في مواضع أخر، كقوله{ وَقَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ ٱلْمَكْرُ جَمِيعاً } الرعد 42، وقوله{ وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ } إبراهيم 46. وبين بعض مكر كفار مكة بقوله{ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ } الأنفال 30 الآية. وذكر بعض مكر اليهود بقوله{ وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } آل عمران 54. وبين بعض مكر قوم صالح بقوله{ وَمَكَرُواْ مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ } النمل 50-51. وذكر مكر بعض قوم نوح بقوله{ وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ } نوح 22-23 الآية. وبين مكر رؤساء الكفار في قوله{ بَلْ مَكْرُ ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِٱللَّهِ } سبأ 33 الآية. والمكر إظهار الطيب وإبطان الخبيث، وهو الخديعة. وقد بين جل وعلا أن المكر السيىء لا يرجع ضرره إلا على فاعله. وذلك في قوله{ وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } فاطر 43. قوله تعالى { فَأَتَى ٱللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ ٱلْقَوَاعِدِ }. أي اجتثه من أصله واقتلعه من أساسه. فأبطل عملهم وأسقط بنيانهم. وهذا الذي فعل بهؤلاء الكفار الذين هم نمروذ وقومه - كما قدمنا في " سورة الحجر " - فعل مثله أيضاً بغيرهم من الكفار. فأبطل ما كانوا يفعلون ويدبرون. كقوله{ ووَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ } الأعراف 137 وقوله{ كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ } المائدة 64، وقوله{ فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱعْتَبِرُواْ يٰأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ } الحشر 2 إلى غير ذلك من الآيات.