الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ }

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن أولئك الكفار الذين يصرفون الناس عن القرآن بدعواهم أنه أساطير الأولين، تحملوا أوزارهم - أي ذنوبهم - كاملة، وبعض أوزار أتباعهم الذين اتبعوهم في الضلال، كما يدل عليه حرف التبعيض الذي هو " من " في قوله { وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ } الآية. وقال القرطبي " من " لبيان الجنس. فهم يحملون مثل أوزار من أضلوهم كاملة. وأوضح تعالى هذا المعنى في قولهوَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } العنكبوت 13 واللام في قوله { ليحملوا } تتعلق بمحذوف دل المقام عليه. أي قدرنا عليهم أن يقولوا في القرآن أساطير الأولين. ليحملوا أوزارهم. تنبيه فإن قيل ما وجه تحملهم بعض أوزار غيرهم المنصوص عليه بقوله { وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } الآية، وقولهوَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } العنكبوت 13 مع أن الله يقولوَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } الأنعام 164، الإسراء 15، فاطر 18، الزمر 7، ويقول جل وعلاوَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا } الأنعام 164، ويقولتِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } البقرة 134، إلى غير ذلك من الآيات. فالجواب - والله تعالى أعلم - أن رؤساء الضلال وقادته تحملوا وزرين أحدهما - وزر ضلالهم في أنفسهم. والثاني - وزر إضلالهم غيرهم. لأن من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً. وإنما أخذ بعمل غيره لأنه هو الذي سنه وتسبب فيه، فعوقب عليه من هذه الجهة لأنه من فعله، فصار غير مناف لقوله { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ } الآية. وقال مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه حدثني زهير بن حرب، حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش، عن موسى بن عبد الله بن يزيد، وأبي الضحى عن عبد الرحمن بن هلال العبسي عن جرير بن عبد الله قال جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم الصوف فرأى سوء حالهم، قد أصابتهم حاجة فحث الناس على الصدقة فأبطؤوا عنه حتى رؤي ذلك في وجهه. قال ثم إن رجلاً من الأنصار جاء بصرة من ورق، ثم جاء آخر، ثمَّ تتابعوا حتَّى عرف السرور في وجهه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها لا ينقص من أجورهم شيء. ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده، كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء " اهـ. أخرج مسلم في صحيحه هذا الحديث عن جرير بن عبد الله من طرق متعددة.

السابقالتالي
2