الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوۤاْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱتَّقُونِ }

قوله تعالى { يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ }. أظهر الأقوال في معنى الروح في هذه الآية الكريمة أن المراد بها الوحي. لأن الوحي به حياة الأرواح، كما أن الغذاء به حياة الأجسام. ويدل لهذا قوله تعالىوَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ } الشورى 52، وقولهرَفِيعُ ٱلدَّرَجَاتِ ذُو ٱلْعَرْشِ يُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } غافر 15-16. ومما يدل على أن المراد بالروح الوحي إتيانه بعد قوله { يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ } بقوله { أَنْ أَنْذِرُوۤاْ } النحل2 لأن الإنذار إنما يكون بالوحي، بدليل قولهقُلْ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِٱلْوَحْيِ } الأنبياء 45 الآية وكذلك إتيانه بعد قولهيُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } غافر 15 بقولهلِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } غافر 15 الآية. لأن الإنذار إنما يكون بالوحي أيضاً. وقرأ هذا الحرف ابن كثير وأبو عمرو " ينزل " بضم الياء وإسكان النون وتخفيف الزاي. والباقون بالضم والتشديد. ولفظة " من " في الآية تبعيضية، أو لبيان الجنس. وقوله { عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } النحل2 أي ينزل الوحي على من اختاره وعلمه أهلاً لذلك. كما بينه تعالى بقولهٱللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ ٱلنَّاسِ } الحج 75، وقولهٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } الأنعام 124، وقولهيُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } غافر 15، وقولهبِئْسَمَا ٱشْتَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أنَزَلَ ٱللَّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } البقرة 90. وهذه الآيات وأمثالها رد على الكفار في قولهملَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } الزخرف 31. قوله تعالى { أَنْ أَنْذِرُوۤاْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱتَّقُونِ }. الأظهر في " أن " من قوله { أَنْ أَنْذِرُوۤا } أنها هي المفسرة. لأن إنزال الملائكة بالروح - أي بالوحي - فيه معنى القول دون حروفه. فيكون المعنى أن الوحي الذي أنزلت به الملائكة مفسر بإنذار الناس " بلا إله إلا الله " وأمرهم بتقواه. وقد أوضح جل وعلا هذا المعنى في آيات كثيرة. كقولهوَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِيۤ إِلَيْهِ أَنَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ } الأنبياء 25، وقولهوَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوت } النحل 36، وقولهوَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } الزخرف 45، وقولهقُلْ إِنَّمَآ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } الأنبياء 108 إلى غير ذلك من الآيات. وقد قدمنا معنى الإنذار، ومعنى التقوى.