قوله تعالى { وَجَادِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }. أمر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة أن يجادل خصومه بالطريق التي هي أحسن طرق المجادلة من إيضاح الحق بالرفق واللين. وعن مجاهد { وَجَادِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } قال أعرض عن أذاهم. وقد اشار إلى هذا المعنى في قوله{ وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } العنكبوت 46 أي إلاّ الذين نصبوا للمؤمنين الحرب فجادلهم بالسيف حتى يؤمنوا، أو يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون. ونظير ما ذكر هنا من المجادلة بالتي هي أحسن قوله لموسى وهارون في شأن فرعون{ فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } طه 44. ومن ذلك القول اللين قول موسى له{ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ } النازعات 18-19. قوله تعالى { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ }. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه أعلم بمن ضل عن سبيله. أي زاغ عن طريق الصواب والحق، إلى طريق الكفر والضلال. وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر. كقوله في أول القلم{ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ فَلاَ تُطِعِ ٱلْمُكَذِّبِينَ } القلم 7-8، وقوله في الأنعام{ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } الأنعام 117، وقوله في النجم{ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱهْتَدَىٰ } النجم 30 والآيات لمثل ذلك كثيرة جداً. والظاهر أن صيغة التفضيل التي هي { أعلم } في هذه الآيات يراد بها مطلق الوصف لا التفضيل. لأن الله لا يشاركه أحد في علم ما يصير إليه خلقه من شقاوة وسعادة. فهي كقول الشنفرى
وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل
أي لم أكن بعجلهم. وقول الفرزدق
إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتاً دعائمه أعز وأطول.