الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } * { مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

قوله تعالى { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ }. نهى جل وعلا في هذه الآية الكريمة الكفار عن تحريم ما أحل الله من رزقه، مما شرع لهم عمرو بن لحي لعنه الله من تحريم ما أحل الله. وقد أوضح جل وعلا هذا المعنى في آيات كثيرة. كقولهقُلْ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَ هَـٰذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ } الأنعام 150، وقولهقُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى ٱللَّهِ تَفْتَرُونَ } يونس 59، وقولهقَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُوۤاْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ ٱفْتِرَآءً عَلَى ٱللَّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } الأنعام 140، وقولهوَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَاجِنَا } الأنعام 139 الآية وقولهوَقَالُواْ هَـٰذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِم } الأنعام 138 الآية. وقوله { حجرٌ } أي حرام، إلى غير ذلك من الآيات، كما تقدم. وفي قوله { الكذب } أوجه من الإعراب أحدهما - أنه منصوب بـ { تقولوا } أي لا تقولوا الكذب لما تصفه ألسنتكم من رزق الله بالحل والحرمة. كما ذكر في الآيات المذكورة آنفاً من غير استناد ذلك الوصف إلى دليل. واللام مثلها في قولك لا تقولوا لما أحل الله هو حرام. وكقولهوَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ } البقرة 145 الآية. وجملة { هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ } بدل من { الكذب } وقيل إن الجملة المذكورة في محل نصب. بـ { تصف } بتضمينها معنى تقول. أي ولا تقولوا الكذب لما تصفه ألسنتكم، فتقول هذا حلال وهذا حرام. وقيل { الكذب } مفعول به لـ { تصف }. و { مَا } مصدرية، وجملة { هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ } متعلقة بـ { لا تقولوا } أي لا تقولوا هذا حلال وهذا حرام لوصف ألسنتكم الكذب. أي لا تحرموا ولا تحللوا لأجل قول تنطق به ألسنتكم، ويجول في أفواهكم، لا لأجل حجة وبينة - قاله صاحب الكشاف. وقيل { الكذب } بدل من هاء المفعول المحذوفة. أي لما تصفه ألسنتكم الكذب. تنبيه كان السّلف الصالح رضي الله عنهم يتورعون عن قولهم هذا حلال وهذا حرام. خوفاً من هذه الآيات. قال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة قال الدارمي أبو محمد في مسنده أخبرنا هارون، عن حفص، عن الأعمش قال " ما سمعت إبراهيم قط يقول حلال ولا حرام، ولكن كان يقول كانوا يكرهون وكانوا يستحبون ". وقال ابن وهب قال مالك لم يكن من فتيا الناس أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام، ولكن يقولوا إياكم كذا وكذا، ولم أكن لأصنع هذا.

السابقالتالي
2