قال بعض أهل العلم " إن هذا مثلٌ ضربه الله لأهل مكة " ، وهو رواية العوفي عن ابن عباس، وإليه ذهب مجاهد وقتادة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وحكاه مالك عن الزهري رحمهم الله، نقله عنهم ابن كثير وغيره. وهذه الصفات المذكورة التي اتصفت بها هذه القرية - تتفق مع صفات أهل مكة المذكورة في القرآن. فقوله عن هذه القرية { كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّة } قال نظيره عن أهل مكة. كقوله{ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً } القصص 57 الآية، وقوله{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ } العنكبوت 67 الآية، وقوله{ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْف } قريش 4، وقوله{ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً } آل عمران 97، وقوله{ وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً } البقرة 125 الآية، وقوله { يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ } قال نظيره عن أهل مكة أيضاً كقوله{ يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ } القصص 57، وقوله{ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } قريش 1-4 فإن رحلة الشتاء كانت إلى اليمن، ورحلة الصيف كانت إلى الشام، وكانت تأتيهم من كلتا الرحلتين أموال وأرزاق. ولذا أتبع الرحلتين بامتنانه عليهم بأن أطعمهم من جوع. وقوله في دعوة إبراهيم{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ } البقرة 126{ فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِيۤ إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُمْ مِّنَ ٱلثَّمَرَاتِ } إبراهيم 37 الآية. وقوله { فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ } ذكر نظيره عن أهل مكة في آيات كثيرة. كقوله { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ } إبراهيم 28. وقد قدمنا طرفاً من ذلك في الكلام على قوله تعالى{ يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا } النحل 83 الآية. وقوله { فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } وقع نظيره قطعاً لأهل مكة. لما لجوا في الكفر والعناد، ودعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال " اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسنين يوسف " فأصابتهم سنة أذهبت كل شيء، حتى أكلوا الجيف والعلهز. وهو وبر البعير يخلط بدمه إذا نحروه، وأصابهم الخوف الشديد بعد الأمن. وذلك الخوف من جيوش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغزواته وبعوثه وسراياه. وهذا الجوع والخوف أشار لهما القرآن على بعض التفسيرات. فقد فسر ابن مسعود آية الدخان بما يدل على ذلك. قال البخاري في صحيحه باب{ فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } الدخان 10 فارتقب فانتظر، حدثنا عبدان، عن أبي حمزة عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن عبد الله قال مضى خمس الدخان، والروم والقمر، والبطشة، واللزام.{ يَغْشَى ٱلنَّاسَ هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } الدخان 11 حدثنا يحيى، حدثنا أبو معاوية.