الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } * { وَلَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ }

قال بعض أهل العلم " إن هذا مثلٌ ضربه الله لأهل مكة " ، وهو رواية العوفي عن ابن عباس، وإليه ذهب مجاهد وقتادة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وحكاه مالك عن الزهري رحمهم الله، نقله عنهم ابن كثير وغيره. وهذه الصفات المذكورة التي اتصفت بها هذه القرية - تتفق مع صفات أهل مكة المذكورة في القرآن. فقوله عن هذه القرية { كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّة } قال نظيره عن أهل مكة. كقولهأَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً } القصص 57 الآية، وقولهأَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ } العنكبوت 67 الآية، وقولهوَآمَنَهُم مِّنْ خَوْف } قريش 4، وقولهوَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً } آل عمران 97، وقولهوَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً } البقرة 125 الآية، وقوله { يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ } قال نظيره عن أهل مكة أيضاً كقولهيُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ } القصص 57، وقولهلإِيلاَفِ قُرَيْشٍ إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } قريش 1-4 فإن رحلة الشتاء كانت إلى اليمن، ورحلة الصيف كانت إلى الشام، وكانت تأتيهم من كلتا الرحلتين أموال وأرزاق. ولذا أتبع الرحلتين بامتنانه عليهم بأن أطعمهم من جوع. وقوله في دعوة إبراهيموَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ } البقرة 126فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِيۤ إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُمْ مِّنَ ٱلثَّمَرَاتِ } إبراهيم 37 الآية. وقوله { فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ } ذكر نظيره عن أهل مكة في آيات كثيرة. كقوله { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ } إبراهيم 28. وقد قدمنا طرفاً من ذلك في الكلام على قوله تعالىيَعْرِفُونَ نِعْمَةَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا } النحل 83 الآية. وقوله { فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } وقع نظيره قطعاً لأهل مكة. لما لجوا في الكفر والعناد، ودعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال " اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسنين يوسف " فأصابتهم سنة أذهبت كل شيء، حتى أكلوا الجيف والعلهز. وهو وبر البعير يخلط بدمه إذا نحروه، وأصابهم الخوف الشديد بعد الأمن. وذلك الخوف من جيوش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغزواته وبعوثه وسراياه. وهذا الجوع والخوف أشار لهما القرآن على بعض التفسيرات. فقد فسر ابن مسعود آية الدخان بما يدل على ذلك. قال البخاري في صحيحه بابفَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } الدخان 10 فارتقب فانتظر، حدثنا عبدان، عن أبي حمزة عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن عبد الله قال مضى خمس الدخان، والروم والقمر، والبطشة، واللزام.يَغْشَى ٱلنَّاسَ هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } الدخان 11 حدثنا يحيى، حدثنا أبو معاوية.

السابقالتالي
2 3 4 5