الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه إذا بدل آية مكان آية، بأن نسخ آية أو أنساها، وأتى بخير منها أو مثلها - أن الكفار يجعلون ذلك سبباً للطعن في الرسول صلى الله عليه وسلم. بادعاء أنه كاذب على الله، مفتر عليه زعماً منهم أن نسخ الآية بالآية يلزمه البداء، وهو الرأي المجدد، وأن ذلك مستحيل على الله. فيفهم عندهم من ذلك أن النَّبي صلى الله عليه وسلم مفتر على الله، زاعمين أنه لو كان من الله لأقره وأثبته، ولم يطرأ له فيه رأي متجدد حتى ينسخه. والدليل على أن قوله { بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ } معناه نسخنا آية وأنسيناها - قوله تعالىمَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا } البقرة 106، وقولهسَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } الأعلى 6-7 أي أن تنساه. والدليل على أنه إن نسخ آية أو أنساها، لا بد أن يأتي ببدل خير منها أو مثلها - قوله تعالىنَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا } البقرة 106، وقوله هنا { بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ }. وما زعمه المشركون واليهود من أن النسخ مستحيل على الله لأنه يلزمه البداء، وهو الرأي المتجدد - ظاهر السقوط، واضح البطلان لكل عاقل. لأن النسخ لا يلزمه البداء ألبتة، بل الله جل وعلا يشرِّع الحكم وهو عالم بأن مصلحته ستنقضي في الوقت المعين، وأنه عند ذلك الوقت ينسخ ذلك الحكم ويبدله بالحكم الجديد الذي فيه المصلحة. فإذا جاء ذلك الوقت المعين أنجز جل وعلا ما كان في علمه السابق من نسخ ذلك الحكم، الذي زالت مصلحته بذلك الحكم الجديد الذي فيه المصلحة. كما أن حدوث المرض بعد الصحة وعكسه، وحدوث الغنى بعد الفقر وعكسه، ونحو ذلك لا يلزم فيه البداء، لأن الله عالم بأن حكمته الإلهية تقتضي ذلك التغيير في وقته المعين له، على وفق ما سبق في العلم الأزلي كما هو واضح. وقد أشار جل وعلا إلى علمه بزوال المصلحة من المنسوخ، وتمحضها في الناسخ بقوله هنا { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ } وقولهنَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } البقرة 106، وقولهسَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ } الأعلى 6-7 فقوله { إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ } بعد قوله { إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } يدل عى أنه أعلم بما ينزل. فهو عالم بمصلحة الإنساء، ومصلحة تبديل الجديد من الأول المنسي. مسائل تتعلق بهذه الآية الكريمة المسألة الأولى - لا خلاف بين المسلمين في جواز النسخ عقلاً وشرعاً، ولا في وقوعه فعلاً، ومن ذكر عنه خلاف في ذلك كأبي مسلم الأصفهاني - فإنه إنما يعني أن النسخ تخصيص لزمن الحكم بالخطاب الجديد.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7