الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى ٱلْمُقْتَسِمِينَ }

في المراد بالمقتسمين أقوال للعلماء معروفة، وكل واحد منها يشهد له قرآن. إلا أن في الآية الكريمة قرينة تضعف بعض تلك الأقوال الأول - أن المراد بالمقتسمين الذين يحلفون على تكذيب الرسل ومخالفتهم، وعلى هذا القول فالاقتسام افتعال من القسم بمعنى اليمين، وهو بمعنى التقاسم. ومن الآيات التي ترشد لهذا الوجه قوله تعالى عن قوم صالحقَالُواْ تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ } النمل 49 الآية. أي نقتلهم ليلاً، وقولهوَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ } النحل 38، وقولهأَوَلَمْ تَكُونُوۤاْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ } إبراهيم 44، وقولهأَهَـۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ ٱللَّهُ بِرَحْمَةٍ } الأعراف 49 إلى غير ذلك من الآيات. فكأنهم كانوا لا يكذبون بشيء إلا أقسموا عليه. فسموا مقتسمين. القول الثاني- أن المراد بالمقتسمين اليهود والنصارى. وإنما وصفوا بأنهم مقتسمون لأنهم اقتسموا كتبهم فآمنوا ببعضها وكفروا ببعضها. ويدل لهذا القول قوله تعالىأَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } البقرة 23 الاية، وقولهوَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ } النساء 150 الآية. القول الثالث - أن المراد بالمقتسمين جماعة من كفار مكة اقتسموا القرآن بأقوالهم الكاذبة، فقال بعضهم هو شعر. وقال بعضهم هو سحر. وقال بعضهم كهانة. وقال بعضهم أساطير الأولين وقال بعضهم اختلقه محمد، صلى الله عليه وسلم. وهذا القول تدل له الآيات الدالة على أنهم قالوا في القرآن تلك الأقوال المفتراة الكاذبة، كقوله تعالىوَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } الحاقة 41-42، وقولهفَقَالَ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ } المدثر 24، وقولهإِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ } ص 7، وقولهوَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } النحل 24، وقولهوَقَالُوۤاْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ٱكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } الفرقان 5 إلى غير ذلك من الآيات. والقرينة في الآية الكريمة تؤيد هذا القول الثالث ولا تنافي الثاني بخلاف الأول. لأن قولهٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلْقُرْآنَ عِضِينَ } الحجر 91 أظهر في القول الثالث، لجعلهم له أعضاء متفرقة بحسب اختلاف أقوالهم الكاذبة، كقولهم شعر، سحر، كهانة الخ. وعلى أنهم أهل الكتاب - فالمراد بالقرآن كتبهم التي جزؤوها فآمنوا ببعضها وكفروا ببعضها، أو القرآن لأنهم آمنوا بما وافق هواهم منه وكفروا بغيره. وقوله { عضين } جمع عضة، وهو العضو من الشيء، أي جعلوه أعضاء متفرقة. واللام المحذوفة أصلها واو. قال بعض العلماء اللام المحذوفة أصلها هاء، وعليه فأصل العضة عضهة، والعضه السحر. فعلى هذا القول - فالمعنى جعلوا القرآن سحراً. كقولهإِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ } المدثر24، وقولهقَالُواْ سِحْرَانِ تَظَاهَرَا } القصص 48 إلى غير ذلك من الآيات. والعرب تسمي الساحر عاضها، والساحرة عاضهة. والسحر عضها. ويقال إن ذلك لغة قريش. ومنه قول الشاعر
أعوذ بربي من النافثا ت في عقد العاضه المعضه   

السابقالتالي
2