* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق
قوله تعالى { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ }. ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أنه ما خلق السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق. أي ليدل بذلك على أنه المستحق لأن يعبد وحده، وأنه يكلف الخلق ويجازيهم على أعمالهم. فدلت الآية على أنه لم يخلق الخلق عبثاً ولا لعباً ولا باطلاً. وقد أوضح ذلك في آيات كثيرة، كقوله{ وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ } ص 27، وقوله{ رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } آل عمران 191، وقوله{ وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } الدخان 38-39 الآية، وقوله{ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْكَرِيمِ } المؤمنون 115-116، وقوله{ وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى } النجم 31، وقوله{ أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ } القيامة 36-37 إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى { وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَةٌ }. ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن الساعة آتية، وأكد ذلك بحرف التوكيد الذي هو " إنَّ " وبلام الابتداء التي تزحلقها إن المكسورة عن المبتدأ إلى الخبر. وذلك يدل على أمرين أحدهما - إتيان الساعة لا محالة. والثاني - إن إتيانها أنكره الكفار، لأن تعدد التوكيد يدل على إنكار الخبر، كما تقرر في فن المعاني. وأوضح هذين الأمرين في آيات أخر. فبين أن الساعة آتية لا محالة في مواضع كثيرة كقوله{ إِنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا } طه 15 وقوله{ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي ٱلْقُبُورِ } الحج 7 وقوله{ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا } الحج 1-2 الآية، وقوله{ وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱلسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا ٱلسَّاعَةُ } الجاثية 32 الآية، وقوله{ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُبْلِسُ ٱلْمُجْرِمُونَ } الروم 12، وقوله{ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ } الروم 55، وقوله{ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً } الأعراف 187، والآيات بمثل ذلك كثيرة جداً. وبين جل وعلا إنكار الكفار لها في مواضع أخر. كقوله{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا ٱلسَّاعَةُ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ } سبأ 3 وقوله{ زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَن لَّن يُبْعَثُواْ } التغابن 7 وقوله{ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا ٱلأُوْلَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ } الدخان 34-35 والآيات بمثل ذلك كثيرة جداً. قوله تعالى { فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ }.