الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ }

قوله تعالى { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ }. بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه خلق أبانا آدم من صلصال من حمأ مسنون والصلصال الطين اليابس الذي يصل أي يصوت من يبسه إذا ضربه شيء ما دام لم تمسه النار فإذا مسته النار فهو حينئذ فخار، وأصل الصليل والصلصلة واحد، والفرق بينهما أنك إذا توهمت في الصوت مداً فهو صليل، وإذا توهمت فيه ترجيعاً فهو صلصلة، والحمأ الطين الأسود المتغير والمسنون. قيل المصور من سنة الوجه وهي صورته، ومنه قول ذي الرمة
تريك سنة وجه غير مقرفة ملساء ليس بها خال ولا ندب   
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه لما سأله نافع بن الأزرق عن معنى المسنون وأجابه بأن معناه المصور قال له وهل تعرف العرب ذلك؟ فقال له ابن عباس نعم، أما سمعت قول حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه وهو يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم
أغر كأن البدر سنة وجهه جلا الغيم عنه ضوءه فتبددا   
وقيل المسنون المصبوب المفرغ أي أفرغ صورة إنسان كما تفرغ الصور من الجواهر المذوبة في أمثلتها وقيل المسنون المنتن وقال بعض العلماء المسنون الأملس قال ومنه قول عبد الرحمن بن حسان
ثم خاصرتها إلى القبة الخضراء تمشي في مرمر مسنون   
أي أملس صقيل قاله ابن كثير وقال مجاهد الصلصال هو المنتن وما قدمنا هو الحق بدليل قوله تعالىخَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَٱلْفَخَّارِ } الرحمن 14 إذا عرفت هذا فاعلم أن الله جل وعلا أوضح في كتابه أطوار هذا الطين الذي خلق منه آدم فبين أنه أولاً تراب بقولهإِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ } آل عمران 59 وقولهيٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ } الحج 5 وقولههُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ } غافر 67 الآية إلى غير ذلك من الآيات ثم أشار إلى أن ذلك التراب بل فصار طيناً يعلق بالأيدي في مواضع أخر كقولهإِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ } الصافات 11 وقولهوَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ } المؤمنون 12 وقولهوَبَدَأَ خَلْقَ ٱلإِنْسَانِ مِن طِينٍ } السجدة 7 إلى غير ذلك من الآيات وبين أن ذلك الطين أسود وأنه متغير بقوله هنامِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } الحجر 26 وبين أيضاً أنه يبس حتى صار صلصلاً أي تسمع له صلصة من يبسه بقولهوَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ } الحجر 26 الآية وقولهخَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَٱلْفَخَّارِ } الرحمن 14 الآية والعلم عند الله تعالى.