الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ }

قوله تعالى { ٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ }. لفظة ما في هذه الآية يحتمل أن تكون موصولة والعائد محذوف، أي يعلم الذي تحمله كل أنثى وعلى هذا فالمعنى يعلم ما تحمله من الولد على أي حال هو من ذكورة وأنوثة، وخداج، وحسن، وقبح، وطول وقصر، وسعادة وشقاوة إلى غير ذلك من الأحوال. وقد دلت على هذا المعنى آيات من كتاب الله، كقولهوَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلأَرْحَامِ } لقمان 34. لأن ما فيه موصولة بلا نزاع، وكقولههُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ } النجم 32، وقولههُوَ ٱلَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي ٱلأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَآءُ } آل عمران 6 الآية. ويحتمل أيضاً أن تكون لفظة ما في هذه الآية الكريمة مصدرية، أي يعلم حمل كل انثى بالمعنى المصدري، وقد جاءت آيات تدل أيضاً على هذا المعنى، كقولهوَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ } فاطر 11، وقولهإِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ } فصلت 47 الآية. وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن الآية قد يكون لها وجهان كلاهما حق، وكلاهما يشهد له قرآن، فنذكر الجميع. وأما احتمال كون لفظة ما في هذه الآية استفهامية، فهو بعيد فيما يظهر لي، وإن قال به بعض اهل العلم، وقد دلت السنة الصحيحة على أن علم ما في الأرحام المنصوص عليه في الآيات المذكورة مما استأثر الله به دون خلقه، وذلك هو ما ثبت في صحيح البخاري من أن المراد بمفاتح الغيب في قوله تعالىوَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ } الأعراف 59 الخمس المذكورة في قوله تعالىإِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } لقمان 34، والاحتمالان المذكوران في لفظة ما من قوله { يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ } الآية، جاريان أيضاً في قوله { وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ } الرعد8، فعلى كونها موصولة فيهما، فالمعنى يعلم الذي تنقصه وتزيده، وعلى كونها مصدرية، فالمعنى يعلم نقصها وزيادتها. واختلف العلماء في المراد بقوله { وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ } وهذه أقوالهم في الآية بواسطة نقل " صاحب الدر المنثور في التفسير بالمأثور " أخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله { وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ } قال " هي المرأة ترى الدم في حملها ". وأخرج ابن ابي شيبة وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ } قال " خروج الدم " { وَمَا تَزْدَادُ } قال " استمساكه ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد