الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ }

وقوله تعالى { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } الآية. ظاهر هذه الآية الكريمة قد يفهم منه أن يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام هم بأن يفعل مع تلك المرأة مثل ما همت هي به منه. ولكن القرآن العظيم بين براءته عليه الصلاة والسلام من الوقوع فيما لا ينبغي حيت بين شهادة كل من له تعلق بالمسألة ببراءته، وشهادة الله له بذلك واعتراف إبليس به. أما الذين لهم تعلق بتلك الواقعة فهم يوسف، والمرأة، وزوجها، والنسوة، والشهود. أما حزم يوسف بأنه بريء من تلك المعصية فذكره تعالى في قولههِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي } يوسف 26 وقولهقَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ } يوسف 33 الآية. وأما اعتراف المرأة بذلك ففي قولها للنسوةوَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ } يوسف 32 وقولهاٱلآنَ حَصْحَصَ ٱلْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ ٱلصَّادِقِينَ } يوسف51. وأما اعتراف زوج المرأة ففي قولهقَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ } يوسف 28-29. وأما اعتراف الشهود بذلك ففي قولهوَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ } يوسف 26 الآية. وأما شهادة الله جل وعلا ببراءته ففي قوله { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ } يوسف 24. قال في الفخر الرازي في تفسيره قد شهد الله تعالى في هذه الآية الكريمة على طهارته أربع مرات أولها - { لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ } يوسف 24 واللام للتأكيد والمبالغة. والثاني - قوله { وَٱلْفَحْشَآءَ } يوسف 24 أي وكذلك لنصرف عنه الفحشاء. والثالث - قوله { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَاَ } يوسف 24 مع أنه تعالى قال { وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } الفرقان 63. والرابع - قوله { ٱلْمُخْلَصِينَ } يوسف 23 وفيه قراءتان قراءة باسم الفاعل. وأخرى باسم المفعول. فوروده باسم الفاعل يدل على كونه آتياً بالطاعات والقربات مع صفة الإخلاص. ووروده باسم المفعول يدل على أن الله تعالى استخلصه لنفسه، واصطفاه لحضرته. وعلى كلا الوجهين فإنه من أدل الألفاظ على كونه منزهاً عما أضافوه إليه. اهـ من تفسير الرازي. ويؤيد ذلك قوله تعالىمَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } يوسف 23. وأما إقرار إبليس بطهارة يوسف ونزاهته ففي قوله تعالىقَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } ص 82 - 83 فأقر بأنه لا يمكنه إغواء المخلصين ولا شك أن يوسف من المخلصين، كما صرح تعالى به في قولهإِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ } يوسف 24 فظهرت دلالة القرآن من جهات متعددة على براءته مما لا ينبغي. وقال الفخر الرازي في تفسير هذه الآية ما نصه وعند هذا نقول هؤلاء الجهال الذين نسبوا إلى يوسف عليه السلام هذه الفضيحة، إن كانوا من أتباع دين الله تعالى فليقبلوا شهادة الله تعالى على طهارته، وإن كانوا من أتباع إبليس وجنوده فليقبلوا شهادة إبليس على طهارته.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8