الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } * { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ }

اختلف في الظرف هنا، هل هو ظرف للوسواس حينما يوسوس، فيكون موجوداً في الصدور، ويوسوس للقلب، أو هو ظرف للوسوسة. ويكون المراد بالصدور القلوب، لكونها حالة في الصدور من باب إطلاق المحل، وإرادة الحال على ما هو جار في الأساليب البلاغية.

وعلى حد قوله تعالى:فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ } [العلق: 17]، أطلق النادي، وأراد من يحل فيه من القوم.

وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بحث تعدية الوسوسة تارة بإلى وتارة باللام، ففي سورة الأعراففَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ } [الأعراف: 20]، وفي طه:فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ } [طه: 120].

وحاصل ما ذكره في الجمع بينهما أحد أمرين: إما أن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض، وذكر شواهده، وإما أن يكون وسوس له، أي لأجله ووسوس إليه أي أنهى إليه الوسوسة، ولكن هنا قال: { فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } ، ولم يقل: إلى صدور الناس، فهل هو من باب نيابة حروف الجر بعضها عن بعض أيضاً؟ أم هي ظرف محض؟

والظاهر أنها ظرف، ولكن هل هو الظرف للوسواس، أو ظرف للوسوسة نفسها؟

وبالنظر إلى كلام المفسرين، فإن كلام ابن جرير يحتمل اعتبار المعنيين بدون تعيين.

وأما القرطبي، والألوسي، فصرحا بما ظهر لهما ووصلا إليه.

فقال القرطبي: قال مقاتل: إن الشيطان في صورة خنزير يجري من مجرى الدم في العروق سلطه الله على ذلك وذكر الحديث " إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه ".

وقال: إن أبا ثعلبة الخشني قال: سألت ربي أن يريني الشيطان، ومكانه من ابن آدم، فرأيته يداه في يديه ورجلاه في رجليه ومشاعيه في جسده، غير أن له خطماً كخطم الكلب؟ فإذا ذكر الله خنس، وإذا سكت عن ذكر الله أخذ بقلبه.

أما الألوسي فقد صرح بالتقسيم الذي أوردناه، فقال: الذي يوسوس في صدور الناس.

قيل: أريد قلوبهم مجازاً.

وقال بعضهم:إن الشيطان يدخل الصدر الذي هو بمنزلة الدهليز، فيلقي منه ما يريد إلقاءه إلى القلب ويوصله إليه، ولا مانع عقلاً من دخوله في جوف إنسان. وساق الحديث أيضاً " إن الشيطان يجري " إلى آخره.

ومراده بالمجاز ما قدمنا من إطلاق المحل وإرادة الحال.

وذكر ابن كثير عن ابن عباس ومجاهد أن الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، وإذا ذكر الله خنس.

والذي يظهر والله تعالى أعلم: أن الصدر ظرف للوسواس، وأنه يوقع الوسوسة في القلب. على ما قاله ابن عباس ومجاهد رحمهم الله.

وفي لفظ الناس هنا المضاف إليه الصدور: اختلاف في المراد منه، فقيل: الإنس الظاهر الاستعمال.

وقيل: الثقلان: الإنس والجن.

وإن إطلاق الناس على الجن مسموع، كما حكاه القرطبي. قال عن بعض العرب:

إنه كان يحدث فجاء قوم من الجن فوقفوا، فقيل: من أنتم: فقالوا: ناس من الجن، وهذا معنى قول الفراء.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8