الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }

اقتران الحسد بالسحر هنا، يشير إلى وجود علاقة بين كل من السحر والحسد، وأقل ما يكون هو التأثير الخفي الذي يكون من الساحر بالسحر، ومن الحاسد بالحسد مع الاشتراك في عموم الضرر، فكلاهما إيقاع ضرر في خفاء، وكلاهما منهى عنه.

وقد أوضح فضيلة الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه، أنواع السحر وأحكامه وأورد فيه كلاماً وافياً.

وقد ظهر بما قدمنا: أن الحسد له علاقة بالسحر نوعاً ما، فلزم إيضاحه وبيان أمره بقدر المستطاع، إن شاء الله.

أولاً: تعريفه: قالوا: إن الحسد هو تمني زوال نعمة الغير، أو عدم حصول النعمة للغير شحاً عليه بها.

وقد قيدت الاستعاذة من شر الحاسد إذا حسد، أي عند إيقاعه الحسد بالفعل، ولم يقيدها من شر الساحر إذا سحر.

وذلك والله تعالى أعلم: أن النفث في العقد هو عين السحر، فتكون الاستعاذة واقعة موقعها عند سحره الواقع منه بنفثه الحاصل منه في العقد.

أما الحاسد فلم يستعذ منه إلا عند إيقاعه الحسد بالفعل، أي عند توجهه إلى المحسود، لأنه قبل توجهه إلى المحسود بالحسد لا يتأتى منه شر، فلا محل للاستعاذة منه.

أما حقيقة الحسد: فيتعذر تعريفه منطقياً.

وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه أنه قال في السحر: لا يمكن تعريفه لخفائه.

ومعلوم أن الحسد أشد خفاء، لأنه عمل نفسي وأثر قلبي، وقد قيل فيه: إنه كإشعاع غير مرئي، ينتقل من قلب الحاسد إلى المحسود، عند تحرقه بقلبه على المحسود، وقد شبه حسد الحاسد بالنار في قولهم:
اصبر على مضض الحسود   فإن صبرك قاتله
كالنار تأكل بعضها   إن لم تجد ما تأكله
وقد أنكر بعض الفلاسفة وقوع السحد، حيث إنه غير مشاهد وهم محجوجون بكل موجود غير شاهد، كالنفس والروح والعقل.

وقد شوهدت اليوم أشعة [إكس] وهي غير مرئية، ولكنها تنفذ إلى داخل الجسم من إنسان وحيوان، بل وخشب ونحوه. ولا يردها إلاَّ مادة الرصاص لكثافة معدنه، فتصور داخل جسم الإنسان من عظام وأمعاء وغيرها، فلا معنى لرد شيء لعدم رؤيته.

تنبيه

قد أطلق الحسد هنا ولم يبين المحسود عليه، ما هو أنه كما تقدم زوال النعمة عن الغير.

وقد نبه القرآن الكريم على أعظم النعمة التي حسد عليها المسلمون عامة، والرسول صلى الله عليه وسلم خاصة، وهي نعمة الإسلام ونعمة الوحي وتحصيل الغنائم.

فأهل الكتاب حسدوا المسلمين على الإسلام في قوله تعالى:وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ } [البقرة: 109].

والمشركون حسدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على نعمة الوحي إليه، كما في قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4 5 6