الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِيۤ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ } * { قَالُواْ يٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوۤاْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلْلَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ }

قوله تعالى { قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِيۤ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ قَالُواْ يٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوۤاْ إِلَيْكَ }. ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن نبيه لوطاً وعظ قومه ونهاهم أن يفضحوه في ضيفه، وعرض عليهم النساء وترك الرجال، فلم يلتفتوا إلى قوله، وتمادوا فيما هم فيه من إرادة الفاحشة فقال لوط { لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً } الآية. فأخبرته الملائكة بأنهم رسل ربه، وأن الكفار الخبثاء لا يصلون إليه بسوء. وبين في القمر أنه تعالى طمس أعينهم، وذلك في قولهوَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ } القمر 37. قوله تعالى { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلْلَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ }. ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أنه أمر نبه لوطاً أن يسري بأهله بقطع من الليل، ولم يبين هنا هل هو من آخر الليل، أو وسطه أو أوله، ولكنه بين في القمر أن ذلك من آخر الليل وقت السحر، وذلك في قولهإِلاَّ آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ } القمر 34. ولم يبين هنا أنه أمره أن يكون من ورائهم وهم أمة، ولكنه بين ذلك في الحجر بقولهفَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱللَّيْلِ وَٱتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَٱمْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ } الحجر 65. وقوله تعالى { وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ }. قرأه جمهور القراء { إِلاَّ ٱمْرَأَتَك } بالنصب، وعليه فالأمر واضح. لأنه استثناء من الأهل، أي أسر بأهلك إلا امرأتك فلا تسر بها، واتركها في قومها فإنها هالكة معهم. ويدل لهذا الوجه قوله فيها في مواضع.كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ } الأعراف 83 والغابر الباقي، أي من الباقين في الهلاك. وقرأ أبو عمرو وابن كثير { إِلاَّ ٱمْرَأَتَك } بالرفع على أنه بدل من { أَحَدٌ } وعليه فالمعنى أنه أمر لوطاً أن ينهى جميع أهله عن الالتفات إلا امرأته فإنه أوحى إليه أنها هالكة لا محالة، ولا فائدة في نهيها عن الالتفات لكونها من جملة الهالكين. وعلى قراءة الجمهور فهو لم يسر بها. وظاهر قراءة ابن عمرو وابن كثير أنه أسرى بها والتفتت فهلكت. قال بعض العلماء لما سمعت هدة العذاب التفتت وقالت واقوماه. فأدركها حجر فقتلها. قال مقيدة - عفا الله عنه - الظاهر أن وجه الجمع بين القراءتين المذكورتين أن السر في أمر لوط بأن يسري بأهله هو النجاة من العذاب الواقع صبحاً بقوم لوط، وامرأة لوط مصيبها ذلك العذاب الذي أصاب قومها لا محالة، فنتيجة إسراء لوط بأهله لم تدخل فيها امرأته على كلا القولين، وما لا فائدة فيه كالعدم، فيستوي معنى أنه تركها ولم يسر بها أصلاً، وأنه أسرى بها وهلكت مع الهالكين.

السابقالتالي
2