الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيۤءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ }

ذكر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن لوطاً عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لما جاءته رسل ربه من الملائكة حصلت له بسبب مجيئهم مساءة عظيمة ضاق صدره بها، وأشار في مواضع متعددة إلى أن سبب مساءته وكونه ضاق بهم ذرعاً وقال هذا يوم عصيب أنه ظن أنهم ضيوف من بني آدم كما ظنه إبراهيم عليهما الصلاة والسلام. وظن أن قومه ينتهكون حرمة ضيوفه فيفعلون بهم فاحشة اللواط، لأنهم إن علموا بقدوم ضيف فرحوا واستبشروا به ليفعلوا به الفاحشة المذكورة – من ذلك قوله هناوَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ قَالَ يٰقَوْمِ هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللًّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ } هود 78 – 79. وقوله في الحجروَجَآءَ أَهْلُ ٱلْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ قَالَ إِنَّ هَؤُلآءِ ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ قَالُواْ أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ قَالَ هَؤُلآءِ بَنَاتِي إِن كُنْتُمْ فَاعِلِينَ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } الحجر 67 – 72. وقوله { يُهْرَعُونَ } أي يسرعون ويهرولون من فرحهم بذلك، ومنه قول مهلهل
فجاؤوا يهرعون وهم أسارى تقودهم على رغم الأنوف   
وقوله { وَلاَ تُخْزُونِ } أي لا تهينون ولا تذلون بانتهاك حرمة ضيفي. والاسم منه الخزي – بكسر الخاء وإسكان الزاي-. ومنه قول حسان في عتبة بن أبي وقاص
فأخزاك ربي يا عتيب بن مالك ولقاك قبل الموت إحدى الصواعق   
وقال بعض العلماء قوله { وَلاَ تُخْزُونِ } من الخزاية، وهي الخجل والاستحياء من الفضيحة. أي لا تفعلوا بضيفي ما يكون سبباً في خجلي واستحيائي، ومنه قول ذي الرمة يصف ثوراً وحشياً تطارده الكلاب في جانب حبل من الرمل.
حتى إذا دومت في الأرض راجعة كرّ ولو شاء نجى نفسه الهرب خزاية أدركته بعد جولته من جانب الحبل مخلوطاً بها الغضب   
يعني أن هذا الثور لو شاء نجا من الكلاب بالهرب، ولكنه استحيا وأنف من الهرب فكر راجعاً إليها. ومنه قوله الآخر
أجاعلة أم الثوير خزاية على فراري أن لقيت بني عبس   
والفعل منه خزي يخزى، كرضى يرضى. ومنه قول الشاعر
من البيض لا تخزى إذا الريح ألصقت بها مرطها أو زايل الحلي جيدها   
وقول الآخر
وإنِّي لا أخزى إذا قيل مملق سخى وأخزى أن يقال بخيل   
وقولهلَعَمْرُكَ } الحجر 72 معناه أقسم بحياتك. والله جل وعلا له أن يقسم بما شاء من خلقه، ولم يقسم في القرآن بحياة أحد إلا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وفي ذلك من التشريف له صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى. ولا يجوز لمخلوق أن يحلف بغير الله، لقوله صلى الله عليه وسلم

السابقالتالي
2