الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } * { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } * { وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } * { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ }

قيل، تكرار في العبارات للتوكيد، كتكراروَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } [المرسلات: 15]، وتكرار:فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [الرحمن: 13].

ونظيره في الشعر أكثر من أن يحصر، من ذلك ما أورده القرطبي رحمه الله:
هل لا سألت جموع كندة   يوم ولو أين أينا
وقول الآخر:
يا علقمة يا علقمة يا علقمة   خير تميم كلها وأكرمه
وقول الآخر:
يا أقرع بن حابس يا أقرع   إنك إن يصرع أخوك تصرع
وقول الآخر:
ألا يا سلمى ثم اسلمي ثمت اسلمي   ثلاث تحيات وإن لم تكلم
وقد جاءت في أبيات لبعض تلاميذ الشيخ رحمه الله تعالى، ضمن مساجلة له معه قال فيها:
تالله إنك قد ملأت مسامعي   درّا عليه قد انطوت أحشائي
زدني وزدني ثم زدني ولتكن   منك الزيادة شافياً للداء
فكرر قوله: زدني ثلاث مرات

وقيل: ليس فيه تكرار، على أن الجملة الأولى عن الماضي والثانية عن المستقبل.

وقيل: الأولى عن العبادة، والثانية عن المعبود.

وقيل غير ذلك، على ما سيأتي إن شاء الله.

والسورة في الجملة نص على أنه صلى الله عليه وسلم لا يعبد معبودهم، ولا هم عابدون معبوده، وقد فسره قوله تعالى:فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيۤئُونَ مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } [يونس: 41].

وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه الكلام على هذا المعنى، عند آية يونس تلك، وذكر هذه السورة هناك.

وقد ذكر أيضاً في دفع إيهام الاضطراب جواباً على إشكال في السورة وهو قوله تعالى: { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } ، نفى لعبادة كل منهما معبود الآخر مطلقاً، مع أنه قد آمن بعضهم فيما بعد وعبد ما يعبده صلى الله عليه وسلم، وأجاب عن ذلك بأحد أمرين: موجزهما أنهما من جنس الكفار، وإن أسلموا فيما بعد فهو خطاب لهم ما داموا كفاراً إلى آخره، أو أنها من العام المخصوص، فتكون في خصوص من حقت عليهم كلمات ربك. ا هـ. مخلصاً.

وقد ذكر أبو حيان وجهاً عن الزمخشري: أن ما يتعلق بالكفار خاص بالحاضر، لأن ما إذا دخلت على اسم الفاعل تعينه للحاضر.

وناقشه أبو حيان، بأن ذلك في مغالب لا على سبيل القطع.

والذي يظهر من سياق السورة، قد يشهد لما ذهب إليه الزمخشري، وهو أن السورة تتكلم عن الجانبين على سبيل المقابلة جهة الرسول صلى الله عليه وسلم، وجهة الكفار في عدم عبادة كل منهما معبود الآخر.

ولكنها لم تساو في اللفظ بين الطرفين، فمن جهة الرسول صلى الله عليه وسلم جاء في الجملة الأولى { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } عبر عن كل منهما بالفعل المضارع الدال على الحال: أي لا أعبد الآن ما تعبدون الآن بالفعل. ثم قال: { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } فعبر عنهم بالاسمية وعنه هو بالفعلية، أي ولا أنتم متصفون بعبادة ما أعبد الآن.

السابقالتالي
2