الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ }

الكوثر فوعل من الكثرة، وأعطيناك قرئ: أعطيناك، بإبدال العين نوناً، وليست النون مبدلة عن العين، كإبدال الألف من الواو أو العين في الأجوف ونحوه، ولكن كلاً منهما أصل بذاته، وقراءة مستقلة. قاله أبو حيان.

واختلف في الكوثر.

فقيل: علم.

وقيل: وصف.

وعلى العلمية قالوا: إنه علم على نهر في الجنة، وعلى الوصف قالوا: الخير الكثير.

ومما استدل به على العلمية، ما جاء في السنة من الأحاديث الصحاح، ذكرها ابن كثير وغيره.

وفي صحيح البخاري عن أنس قال: " لما عرج برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال: " أتيت نهر حافتاه قباب اللؤلؤ مجوف. فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر " ".

وبسنده أيضاً عن عائشة رضي الله عنها " سئلت عن قوله تعالى: { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ } [الكوثر: 1]، قالت: هو نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم، شاطئاه عليهما در مجوف، آنيته كعدد النجوم ".

وبسنده أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الكوثر: هو الخير الذي أعطاه الله إياه.

قال أبو بشر: قلت لسعيد بن جبير: فإن الناس يزعمون أنه نهر في الجنة، فقال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير، الذي أعطاه الله إياه.

وذكر ابن كثير هذه الأحاديث وغيرها عن أحمد رحمه الله: ومنها بسند أحمد إلى أنس بن مالك قال: " أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة، فرفع رأسه مبتسماً إما قال لهم، وإما قالوا له: لم ضحكت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه نزلت عليَّ أنفاً سورة، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، إنا أعطيناك الكوثر، حتى ختمها، فقال: هل تدرون ما الكوثر؟ قالوا: الله ورسوله أعلم؟ قال: نهر أعطانيه ربي عز وجل في الجنة، عليه خير كثير، ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد الكواكب يختلج العبد منهم، فأقول: يا رب إنه من أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ".

وذكر ابن كثير ما جاء في صفة الحوض، وهذه النصوص على أن الكوثر نهر في الجنة، أعطاه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم.

وفي الحديث الأخير عن الإمام أحمد قوله: " عليه خير كثير " يشعر بأن معنى الوصفية موجود.

ولذا قال بعض المفسرين: إنه الخير الكثير.

وممن قال ذلك ابن عباس، كما تقدم في حديث البخاري عنه.

واستدلوا على المعنى، بقول الشاعر الكميت:
وأنت كثير يا ابن مروان طيب   وكان أبوك ابن الفصائل
والذي تطمئن إليه النفس أن الكوثر: هو الخير الكثير، وأن الحوض أو النهر من جملة ذلك.

وقد أتت آيات تدل على إعطاء الله لرسوله الخير الكثير، كما جاء في قوله تعالى:

السابقالتالي
2