الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ } * { ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } * { ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ } * { وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ }

اختلف في المصلين الذين توجه إليهم الوعيد بالويل هنا.

والجمهور: على أنهم الذين يسهون عن أدائها، ويتساهلون في أمر المحافظة عليها.

وقيل: عن الخشوع فيها وتدبر معانيها.

ولكن الصحيح أنه الأول.

وقد جاء عن عطاء وعن ابن عباس أنهما قالا: الحمد لله الذي قال عن صلاتهم، ولم يقل في صلاتهم، كما أن السهو في الصلاة لم يسلم منه أحد، حتى أنه وقع من النَّبي صلى الله عليه وسلم لما سلم من ركعتين في الظهر كما هو معلوم من حديث ذي اليدين، وقال: " إني لا أنسى، ولكني أنسى لأسنَّ " فكيف ينسيه الله ليسنَ للناس أحكام السهو، ويقع الناس في السهو بدون عمد منهم.

وقد قال صلى الله عليه وسلم: " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه ".

وقد عقد الفقهاء باب سجود السهو تصحيحاً لذلك.

لذلك بقي من المراد بالذين هم عن صلاتهم ساهون.

قيل: نزلت في أشخاص بأعيانهم.

وقيل: في كل من أخَّر الصلاة عن أول وقتها، أو عن وقتها كله، إلى غير ذلك، أو عن أدائها في المساجد وفي الجماعة.

وقيل: في المنافقين.

وفي السورة تفسير صريح لهؤلاء، وهو قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ } [الماعون: 6-7].

والمرائي في صلاته قد يكون منافقاً، وقد يكون غير منافق.

فالرياء أعم من جهة، والنفاق أعم من جهة أخرى، أي قد يرائي في عمل ما، ويكون مؤمناً بالبعث والجزاء وبكل أركان الإيمان، ولا يرائي في عمل آخر، بل يكون مخلصاً فيه كل الإخلاص.

والمنافق دائماً ظاهره مخالف لباطنه في كل شيء، لا في الصلاة فقط.

ولكن جاء النص: بأن المراءاة في الصلاة، من أعمال المنافقين.

وجاء النص أيضاً. بأن منع الماعون من طبيعة الإنسان إلا المصلين، كما في قوله تعالى:إِنَّ ٱلإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعاً إِلاَّ ٱلْمُصَلِّينَ } [المعارج: 19-22].

وقد تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه، بيان السهو عنها وإضاعتها عند قوله تعالى:فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلاَةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً إِلاَّ مَن تَابَ } [مريم: 59-60] الآية.

وبين في آخر المبحث تحت عنوان: مسألة في حكم تاركي الصلاة جحداً أو كسلاً. وزاده بياناً، عند قوله تعالى:وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } [المؤمنون: 9] في دفع إيهام الاضطراب للجمع بين هذه الآية وآيةمَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ } [المدثر: 42].

وذكر قول الشاعر:
دع المساجد للعباد تسكنها   
على ما سنذكره بعد، ثم نبه قائلاً: إذا كان الوعيد عمن يسهو عنها فكيف بمن يتركها؟ اهـ.

وقد تساءل بعض المفسرين عن موجب اقتران هذه الآية بالتي قبلها.

وأجابوا: بأن الكل من دوافع عدم الإيمان بالبعث، ومن موجبات التكذيب بيوم الدين، فهي مع ما قبلها في قوة، فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين، وعن صلاتهم ساهون، فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون.

السابقالتالي
2 3 4 5 6