الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ } * { تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ }

اختلف في معنى السجيل هنا.

فقال قوم: هو السجين، أبدلت النون لاماً، والسجين النار.

وقيل: إن السجيل من السجل، كأنه علم للديوان الذي كتب فيه عذاب الكفار، كما أن سجيناً لديوان أعمالهم واشتقاقه من الإسجال وهو الإرسال، ومنه السجل الدلو المملوء ماء، وهي حجارة مرسلة لقوله: { وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ }.

وقوله: إن سجيناً، عن الديوان أعمالهم، يعني قوله تعالى:كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ } [المطففين: 7].

وقيل: معنى سجيل ستك وطين، يعني بعض حجر وبعض طين.

وقيل: معناه الشديد.

وقيل: السجيل اسم لسماء الدنيا.

وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه، ترجيح أنها من طين شديد القوة.

وهذا ما يشهد له القرآن لما في سورة الذارياتقَالُوۤاْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ } [الذاريات: 32-34] فنص على أنها من طين.

والحجارة من الطين: هي الآجر وهو الطين المطبوخ حتى يتحجر.

وجاء النص الآخر أنها من سجيل منضود في قوله:فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ } [هود: 82].

وقيل فيها: كالحمصة والعدسة، والضمير في عليهم راجع لأصحاب الفيل، وقصتهم طويلة مشهورة.

تنبيه

قد أوردنا نصوص معنى سجيل، وترجيح الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه: أنها حجارة من طين شديد القوة تنبيهاً على ما قيل من استبعاد ذلك، ورداً على من صرف معناها إلى غير الحجارة المحسوسة.

أما من استبعدها، فقد حكاه الفخر الرازي بقوله: واعلم أن من الناس من أنكر ذلك.

وقالوا: لو جوزنا أن يكون في الحجارة التي تكون مثل العدسة من الثقل ما يقوى به على أن ينفذ من رأس الإنسان ويخرج من أسفله، لجوزنا أن يكون الجبل العظيم خالياً عن الثقل، وأن يكون في وزن التبنة، وذلك يرفع الأمان عن المشاهدات.

فإنه متى جاز ذلك فليجز أن يكون بحضرتنا شموس وأقمار، ولا نراها، وأن يحصل الإدراك في عين الضرير، حتى يكون هو بالمشرق، ويرى قطعة من الأرض بالأندلس، وكل ذلك محال.

ثم قال: واعلم أن ذلك جائز في مذهبنا، إلا أن العادة جارية بأنها لا تقع.

وهذا القول يحكيه الفخر الرازي المتوفي سنة 606 ستمائة وست، فنرى استبعادهم إياها مبني على تحكيم العقل، وهذا باطل لأن خوارق العادات دائماً فوق قانون العقل، بل إن تصورات العقل نفسه منشؤها من تصوراتنا لما نشاهده.

وإذا حدث العقل بما لم يشهده أو يعلم كنه وجوده لاستبعده كما هو في واقعنا اليوم، لو حدثت به العقول سابقاً من نقل الحديث، والصورة على الأثير، وتوجيه الطائرات وأمثالها، لما قوي على تصورها لأنها فوق نطاق محسوساته ومشاهداته.

وحتى نحن لو لم يسايرها من علم بما يحمله الأثير من تيار كهربائي، وما له من دور فعال في ذلك لما أمكننا تصوره، ثم من يمنع شيئاً من ذلك على قدرته تعالى.

السابقالتالي
2 3 4