الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ }

أصل النعيم كل حال ناعمة من النعومة والليونة، ضد الخشونة واليبوسة، والشدائد، كما يشير إليه قوله تعالى:وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ } [النحل: 53].

ثم قال:إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } [النحل: 53]، فقابل النعمة بالضر.

ومثله قوله تعالى:وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّئَاتُ عَنِّيۤ } [هود: 10].

وعلى هذا فإن نعم الله عديدة، كما قال:وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَآ } [النحل: 18].

وبهذا تعلم أن كل ما قاله المفسرون، فهو من قبيل التمثيل لا الحصر، كما قال تعالى: { لاَ تُحْصُوهَآ }.

وأصول هذه النعم أولها بالإسلامٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلاَمَ دِيناً } [المائدة: 3].

ويدخل فيها نعم التشريع والتخفيف، عما كان على الأمم الماضية.

كما يدخل فيها نعمة الإخاء في اللهوَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً } [آل عمران: 103]، وغير ذلك كثيراً.

وثانيها: الصحة، وكمال الخلقة والعافية، فمن كمال الخلقة الحواسأَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ } [البلد: 8-9].

ثم قال:إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } [الإسراء: 36].

وثالثها: المال في كسبه وإنفاقه سواء، ففي كسبه من حله نعمة، وفي إنفاقه في أوجهه نعمة.

هذه أصول النعم، فماذا يسأل عنه، منها جاءت السنة بأنه سيسأل عن كل ذلك جملة وتفصيلا.

أما عن الدين والمال والصحة، ففي مجمل الحديث " إذا كان يوم القيامة، لا تزل قدم عبد حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أبلاه، وعن علمه فيم عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن شبابه فيم أفناه ".

ولعظم هذه الآية وشمولها، فإنها أصبحت من قبيل النصوص مضرب المثل، فقد فصلت السنة جزئيات ما كانت تخطر ببال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد روى القرطبي ما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلة، فإذا هو بأبي بكر وعمر، فقال: " ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟ " قالا: الجوع يا رسول الله! قال: وأنا، والذي نفسي بيده! لأخرجني الذي أخركما، قوما فقاما فقاموا معه، فأتى رجلاً من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلما رأته المرأة قالت: مرحباً! وأهلاً! فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أين فلان؟ " قالت: ذهب يستعذب لنا من الماء - أي يطلب ماءً عذباً -. إذ جاء الأنصاريُّ، فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، ثم قال: الحمد لله، ما أحدٌ اليوم أكرم أضيافاً مني. قال: فانطلق فجاءهم بِعذْق فيه بُسْرٌ وتمرٌ ورُطبٌ، فقال: كلوا من هذه، وأخذ المدية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إياك والحَلوب، فذبح لهم: فأكلوا من الشاة، ومن ذلك العِذق، وشربوا، فلما أن شبعوا وَرووا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: " والذي نفسي بيده! لتُسأَلن عن هذا يوم النعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم "

السابقالتالي
2