قوله تعالى { إِيَّاكَ نَعْبُدُ }. أشار في هذه الآية الكريمة إلى تحقيق معنى لا إله إلا الله لأن معناها مركب من أمرين نفي وإثبات. فالنفي خلع جميع المعبودات غير الله تعالى في جميع أنواع العبادات، والإثبات إفراد رب السموات والأرض وحده بجميع أنواع العبادات على الوجه المشروع. وقد أشار إلى النفي من لا إله إلا الله بتقديم المعمول الذي هو { إِيَّاكَ }. وقد تقرر في الأصول، في مبحث دليل الخطاب الذي هو مفهوم المخالفة. وفي المعاني في مبحث القصر أن تقديم المعمول من صيغ الحصر. وأشار إلى الإثبات منها بقوله { نَعْبُدُ }. وقد بين معناها المشار إليه هنا مفصلاً في آيات أخر كقوله{ يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ } البقرة 21 الآية - فصرح بالإثبات منها بقوله { ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ } وصرح بالنفي منها في آخر الآية الكريمة بقوله{ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } البقرة 22 وكقوله{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوتَ } النحل 36 فصرح بالإثبات بقوله { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } وبالنفي بقوله { وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوتَ } وكقوله{ فَمَن يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ } البقرة 256 فصرح بالنفي منها بقوله{ فَمَن يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ } البقرة 256 وبالإثبات بقوله{ وَيُؤْمِن بِٱللَّهِ } البقرة 256 وكقوله{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱلَّذِي فَطَرَنِي } الزخرف 26-27 الآية - وكقوله{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِيۤ إِلَيْهِ أَنَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ } الأنبياء 25 وقوله{ وَسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } الزخرف 45 إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }. أي لا نطلب العون إلا منك وحدك. لأن الأمر كله بيدك وحدك لا يملك أحد منه معك مثقال ذرة. وإتيانه بقوله { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } بعد قوله { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } ، فيه إشارة إلى أنه لا ينبغي أن يتوكل إلا على من يستحق العبادة. لأن غيره ليس بيده الأمر. وهذا المعنى المشار إليه هنا جاء مبيناً واضحاً في آيات أخر كقوله{ فَٱعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } هود 123 الآية - وقوله{ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } التوبة 129 الآية - وقوله{ رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً } المزمل 9 وقوله{ قُلْ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا } الملك 29 إلى غير ذلك من الآيات.