الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ ٱلْبَرِيَّةِ } * { جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رِّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ }

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ ٱلْبَرِيَّةِ * جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رِّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ }. قوبل حال الكفرة من أهل الكتاب وحالُ المشركين بحال الذين آمنوا بعد أن أشِير إليهم بقولهوذلك دين القيمة } البينة 5، استيعاباً لأحوال الفِرق في الدنيا والآخرة وجرياً على عادة القرآن في تعقيب نذارة المنذَرين ببشارة المطمئنين وما ترتب على ذلك من الثناء عليهم، وقدم الثناء عليهم على بشارتهم على عكس نظم الكلام المتقدم في ضدهم ليكون ذكر وعدهم كالشكر لهم على إيمانهم وأعمالهم فإن الله شكور. والجملة استئناف بياني ناشىء عن تكرر ذكر الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين فإن ذلك يثير في نفوس الذين آمنوا من أهل الكتاب والمشركين تساؤلاً عن حالهم لعل تأخر إيمانهم إلى ما بعد نزول الآيات في التنديد عليهم يَجعلهم في انحطاط درجةٍ، فجاءت هذه الآية مبينة أن من آمن منهم هو معدود في خير البريئة. والقول في اسم الإِشارة، وضمير الفصل والقصر وهمز البريئة كالقول في نظيره المتقدم. واسم الإِشارة والجملة المخبر بها عنه جميعها خبر عن اسم { إن }. وجملة { جزاؤهم عند ربهم جنات عدن } إلى آخرها مبيِّنة لجملة { أولئك هم خير البريئة }. و { عند ربهم } ظرف وقع اعتراضاً بين { جزاؤهم } وبين { جنات عدن } للتنويه بعِظَم الجزاء بأنه مدَّخر لهم عند ربهم تكرمةً لهم لما في { عند } من الإِيماء إلى الحظوة والعناية، وما في لفظ ربهم من الإِيماء إلى إجزال الجزاء بما يناسب عظم المضاف إليه { عندَ } ، وما يناسب شأن من يَرُب أن يبلغ بمربوبه عظيم الإحسان. وإضافة { جنات } إلى { عدن } لإِفادة أنها مسكنهم لأن العَدْن الإِقامة، أي ليس جزاؤهم تنزهاً في الجنات بل أقوى من ذلك بالإِقامة فيها. وقوله { خالدين فيها أبداً } بشارة بأنها مسكنهم الخالد. ووصف الجنات بــــ { تجري من تحتها الأنهار } لبيان منتهى حسنها. وجَرْيُ النهر مستعار لانتقال السيْل تشبيهاً لسرعة انتقال الماء بسرعة المشي. والنهر أخدود عظيم في الأرض يسيل فيه الماء فلا يطلق إلا على مجموع الأخدود ومائه. وإسناد الجري إلى الأنهار توسع في الكلام لأن الذي يجري هو ماؤها وهو المعتبر في ماهية النهر. وجعل جزاء الجماعة جمعَ الجنات فيجوز أن يكون على وجه التوزيع، أي لكل واحد جنة كقوله تعالىيجعلون أصابعهم في آذانهم } البقرة 19 وقولك ركب القوم دوابَّهم، ويجوز أن يكون لكل أحد جنات متعددة والفضل لا ينحصر قال تعالىولمن خاف مقام ربه جنتان } الرحمٰن 46. وجملة { رضي الله عنهم } حال من ضمير { خالدين } ، أي خالدين خلوداً مقارناً لرضى الله عنهم، فهم في مدة خلودهم فيها محفوفون بآثار رضى الله عنهم، وذلك أعظم مراتب الكرامة قال تعالى

السابقالتالي
2