الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ } * { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ } * { ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ } * { ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ } * { عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ }

{ ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * ٱقْرَأْ }. هذا أول ما أوحي به من القرآن إلى محمد صلى الله عليه وسلم لِما ثبت عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مما سيأتي قريباً. وافتتاح السورة بكلمة { اقرأ } إيذان بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيكون قارئاً، أي تالياً كتاباً بعد أن لم يكن قد تلا كتاباً قال تعالىوما كنت تتلوا من قبله من كتاب } العنكبوت 48، أي من قبل نزول القرآن، ولهذا " قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل حين قال له اقرأ «ما أنا بقارىء» " وفي هذا الافتتاح براعة استهلال للقرآن. وقوله تعالى { اقرأ } أمر بالقراءة، والقراءة نطق بكلام معيَّن مكتوبٍ أو محفوظٍ على ظهر قلب. وتقدم في قوله تعالىفإذا قرأت القرآن فاستعذ باللَّه من الشيطان الرجيم } في سورة النحل 98. والأمر بالقراءة مستعمل في حقيقته من الطلب لتحصيل فعل في الحال أو الاستقبال، فالمطلوب بقوله { اقرأ } أن يفعل القراءة في الحال أو المستقبل القريب من الحال، أي أن يقول مَا سَيُمْلَى عليه، والقرينة على أنه أمر بقراءة في المستقبل القريب أنه لم يتقدم إملاء كلام عليه محفوظ فتطلب منه قراءته، ولا سُلمت إليه صحيفة فتطلب منه قراءتها، فهو كما يقول المُعلم للتلميذ اكتب، فيتأهب لكتابة ما سيمليه عليه. وفي حديث «الصحيحين» " عن عائشة رضي الله عنها قولها فيه « حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال اقرأ. قال فقلت ما أنا بقارىء فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجَهْد ثم أرْسَلَني فقال اقرأ. فقلت ما أنا بقارىء فأخذني فغطّني الثانيةَ حتى بلغ مني الجَهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارىء فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجَهد، ثم أرسلني فقال { اقرأ باسم ربك الذي خلق } إلى { ما لم يعلم } " فهذا الحديث روته عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقولها قال " فقلت ما أنا بقارىء ". وجميع ما ذكرته فيه مما روته عنه لا محالة وقد قالت فيه «فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فُؤاده» أي فرجع بالآيات التي أُمليَتْ عليه، أي رجع متلبساً بها، أي بوعيها. وهو يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلقى ما أوحي إليه. وقرأه حينئذٍ ويزيد ذلك إيضاحاً قولها في الحديث «فانطلقت به خديجة إلى ورقة بن نوفل فقالت له خديجة يا ابن عم اسمع من ابن أخيك»، أي اسمع القول الذي أوحي إليه وهذا ينبىء بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قيل له بعد الفطة الثالثة { اقرأ باسم ربك } الآيات الخمس قد قرأها ساعتئذٍ كما أمره الله ورجع من غار حراء إلى بيته يقرؤها وعلى هذا الوجه يكون قول المَلك له في المرات الثلاث { اقرأ } إعادة للفّظ المنزل من الله إعادة تكرير للاستئناس بالقراءة التي لم يتعلمها من قبل.

السابقالتالي
2 3 4 5