الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } * { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } * { ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } * { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ }

استفهام تقريري على النفي. والمقصود التقرير على إثبات المنفي كما تقدم غير مرة. وهذا التقرير مقصود به التذكير لأجل أن يراعي هذه المنة عندما يخالجه ضيق صدر مما يلقاه من أذى قوم يريد صلاحَهم وإنقاذَهم من النار ورفعَ شأنهم بين الأمم، ليدوم على دعوته العظيمة نَشيطاً غير ذي أسف ولا كَمَدٍ. والشرح حقيقته فصل أجزاء اللحم بعضِها عن بعض، ومنه الشريحة للقطعة من اللحم، والتشريح في الطب، ويطلق على انفعال النفس بالرضى بالحال المتلبس بها. وظاهر كلام «الأساس» أن هذا إطلاق حقيقي. ولعله راعى كثرة الاستعمال، أي هو من المجاز الذي يساوي الحقيقة لأن الظاهر أن الشرح الحقيقي خاص بشرح اللحم، وأن إطلاق الشرح على رضى النفس بالحال أصله استعارة ناشئة عن إطلاق لفظ الضيق وما تصرف منه على الإحساس بالحزن والكمد قال تعالىوضائق به صدرُك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز } هود 12 الآية. فجعل إزالة ما في النفس من حزن مثل شرح اللحم وهذا الأنسب بقولهفإن مع العسر يسراً } الشرح 5. وتقدم قولهقال رب اشرح لي صدري } في سورة طه 25. فالصدر مراد به الإِحساس الباطني الجامع لمعنى العقل والإدراك. وشرح صدره كناية عن الإِنعام عليه بكل ما تطمح إليه نفسه الزكية من الكمالات وإعلامه برضى الله عنه وبشارته بما سيحصل للدّين الذّي جاء به من النصر. هذا تفسير الآية بما يفيده نظمها واستقلالها عن المرويات الخارجية، ففسرها ابن عباس بأن الله شرح قلبه بالإِسلام، وعن الحسن قال شرح صدره أن مُلِىءَ علماً وحكماً، وقال سهل بن عبد الله التستري شرح صدره بنور الرسالة، وعلى هذا الوجه حمله كثير من المفسرين ونسبه ابن عطية إلى الجمهور. ويجوز أن يجعل الشرح شرحاً بدنياً. وروي عن ابن عباس أنه فسر به وهو ظاهر صنيع الترمذي إذ أخرج حديث شقِّ الصدر الشريف في تفسير هذه السورة فتكون الآية إشارة إلى مرويات في شَق صدره صلى الله عليه وسلم شقّاً قُدُسياً، وهو المروي بعض خبره في «الصحيحين»، والمروي مطولاً في السيرة والمسانيد، فوقع بعض الروايات في «الصحيحين» أنه كان في رؤيا النوم ورؤيا الأنبياء وحي، وفي بعضها أنه كان يقظة وهو ظاهر ما في «البخاري»، وفي «صحيح مسلم» أنه يقظة وبمرأى من غلمان أترابه، وفي حديث مسلم عن أنس ابن مالك أنه قال رأيت أثر الشق في جلد صدر النبي صلى الله عليه وسلم وفي بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بين النائم واليقظان، والرواياتُ مختلفة في زمانه ومكانه مع اتفاقها على أنه كان بمكة. واختلاف الروايات حمل بعضَ أهل العلم على القول بأن شق صدره الشريف تكرر مرتين إلى أربع، منها حين كان عند حليمة.

السابقالتالي
2 3 4