الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ } * { إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا } * { فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقْيَاهَا } * { فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا } * { وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا }

{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ * إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا }. إن كانت جملةقد أفلح من زكاها } الشمس 9 الخ معترضة كانت هذه جواباً للقسم باعتبار ما فرع عليها بقوله { فدَمْدَم عليهم ربهم بذنبهم } أي حقاً لقد كان ذلك لِذلك، ولام الجواب محذوف تخفيفاً لاستطالة القسم، وقد مثلوا لحذف اللام بهذه الآية وهو نظير قوله تعالىوالسماء ذات البروج } البروج 1 إلى قولهقتل أصحاب الأخدود } البروج 4. والمقصود التعريض بتهديد المشركين الذين كذّبوا الرسول طغياناً هم يعلمونه من أنفسهم كما كذبت ثمود رسولهم طغياناً، وذلك هو المحتاج إلى التأكيد بالقَسَم لأن المشركين لم يهتدوا إلى أن ما حل بثمود من الاستئصال كان لأجل تكذيبهم رسول الله إليهم، فنبههم الله بهذا ليتدبروا أو لتنزيل علم من علم ذلك منهم منزلة الإِنكار لعدم جَرْي أمرهم على موجَب العلم، فكأنه قيل أقسم لَيصيبكم عذابٌ كما أصاب ثمود، ولقد أصاب المشركين عذاب السيف بأيدي الذين عادَوْهم وآذوهم وأخرجوهم، وذلك أقسى عليهم وأنكى. فمفعول { كذبت } محذوف لدلالة قوله بعده { فقال لهم رسول الله } والتقدير كذبوا رسول الله. وتقدم ذكْر ثمود ورسولهم صالح عليه السلام في سورة الأعراف. وباء { بطغواها } للسببية، أي كانت طغواها سبب تكذيبهم رسول الله إليهم. والطغوى اسم مصدر يقال طغا طَغْوا وطُغياناً، والطغيان فرط الكِبر، وقد تقدم عند قوله تعالىويمُدُّهم في طغيانهم يعمهون } في سورة البقرة 15، وفيه تعريض بتنظير مشركي قريش في تكذيبهم بثمود في أن سبب تكذيبهم هو الطغيان والتكبر عن اتباع من لا يرون له فضلاً عليهموقالوا لولا نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } الزخرف 31. و { إذْ } ظرف للزمن الماضي يتعلق بــــ { طغواها } لأن وقت انبعاث أشقاها لعقر الناقة هو الوقت الذي بدت فيه شدة طغواها فبعثوا أشقاهم لعقر الناقة التي جُعلت لهم آية وذلك منتهى الجُرأة. و { انبعث } مطاوع بَعَث، فالمعنى إذ بعثوا أشقاهم فانبعث وانتدب لذلك. و { إذ } مضاف إلى جملة { انبعث أشقاها }. وقدم ذكر هذا الظرف عن موقعه بعد قوله { فقال لهم رسول الله ناقة الله } لأن انبعاث أشقاها لعقر الناقة جُزئي من جزئيات طغواهم فهو أشد تعلقاً بالتكذيب المسبب عن الطغوى ففي تقديمه قضاء لحق هذا الاتصال، ولإفادة أن انبعاث أشقاهم لعقر الناقة كان عن إغراء منهم إياه، ولا يفوت مع ذلك أنه وقع بعد أن قال لهم رسول الله ناقة الله، ويستفاد أيضاً من قوله { فعقروها }. و { أشقاها } أشدها شِقوة، وعني به رجل منهم سماه المفسرون قُدار بضم القاف وتخفيف الدال المهملة ابن سالف، وزيادته عليهم في الشقاوة بأنه الذي باشر الجريمة وإن كان عن ملإ منهم وإغراء.

السابقالتالي
2 3