الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }

تفريع كلام على الكلام السابق مِن ذِكر فَرحهم، ومِن إفادة قولهقل نار جهنّم أشد حرّاً } التوبة 81 من التعريض بأنّهم أهلها وصائرون إليها. والضحك هنا كناية عن الفرح أو أريد ضحكهم فرحاً لاعتقادهم ترويج حيلتهم على النبي صلى الله عليه وسلم إذْ أذن لهم بالتّخلّف. والبكاء كناية عن حزنهم في الآخرة فالأمر بالضحك وبالبكاء مستعمل في الإخبار بحصولهما قطعاً إذ جعلا من أمر الله أو هو أمر تكوين مثل قولهفقال لهم الله موتوا } البقرة 243 والمعنى أنّ فرحهم زائل وأنّ بكاءهم دائم. والضحك كيفية في الفم تتمدّد منها الشفتان وربّما أسفرتا عن الأسنان وهي كيفية تعرض عند السرور والتعجّب من الحُسن. والبكاءُ كيفية في الوجه والعينين تنقبض بها الوجنتان والأسارير والأنف. ويسيل الدمع من العينين، وذلك يعرض عند الحزن والعجز عن مقاومة الغلب. وقوله { جزاء بما كانوا يكسبون } حال من ضميرهم، أي جزاء لهم، والمجعول جزاء هو البكاء المعاقب للضحك القليل لأنّه سلب نعمة بنقمة عظيمة. وما كانوا يكسبون هو أعمال نفاقهم، واختير الموصول في التعبير عنه لأنّه أشمل مع الإيجاز. وفي ذكر فعل الكَون، وصيغة المضارع في { يكسبون } ما تقدّم في قولهولكن كانوا أنفسهم يظلمون } التوبة 70.