الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ }

هذا استئناف ابتدائي ليس متصلاً بالكلام السابق، وإنّما كان نزوله لسبب حدث في أحوال المنافقين المحكية بالآيات السالفة، فكان من جملة شرح أحوالهم وأحكامهم، وفي الآية ما يدلّ على أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يستغفر لهم. روى المفسّرون عن ابن عباس أنّه لمّا نزلت بعض الآيات السابقة في أحوالهم إلى قولهسخر الله منهم ولهم عذاب أليم } التوبة 79. قال فريق منهم استغفر لنا يا رسول الله، أي ممّن صدر منه عمل وبِّخُوا عليه في القرآن دون تصريح بأنّ فاعله منافق فوعدهم النبي عليه الصلاة والسلام بأن يستغفر للذين سألوه. وقال الحسن كانوا يأتون رسول الله فيعتذرون إليه، ويقولون إن أردْنا إلاّ الحسنى. وذلك في معنى الاستغفار، أي طلب مَحْومَا عُدّ عليهم أنّه ذنب، يريدون أنّه استغفار من ظاهر إيهام أفعالهم. وعن الأصمّ أنّ عبد الله بنَ أُبي بن سَلول لمّا ظهر ما ظهر من نفاقه وتنكّر الناس له من كلّ جهة لقيه رجل من قومه فقال له ارجع إلى رسول الله يستغفر لك، فقال ما أبالي استغفر لي أم لم يستغفر لي. فنزل فيه قوله تعالى في سورة المنافقين 5، 6وإذا قيل لهم تعالَوا يستغفر لكم رسولُ الله لَوَوْا رُؤُوسَهم ورأيتَهم يَصُدُّون وهم مستكبرون سواءٌ عليهم أسْتَغْفَرْتَ لهم أم لم تستغفر لهم لَن يغفرَ الله لهم } يعني فتكون هذه الآية مؤكّدةً لآية سورة المنافقين عند حدوث مثل السبب الذي نزلت فيه آية سورة المنافقين جمعاً بين الروايات. وعن الشعبي، وعروة، ومجاهد، وابن جبير، وقتادة أنّ عبد الله بن أُبَيْ ابن سلول مرض فسألَ ابنُه عبدُ الله بنُ عبد الله النبي صلى الله عليه وسلم أن يستغفر له ففعل. فنزلت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنّ الله قد رخَّص لي فسأزيدُ على السبعين فنزلتسواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم } المنافقون 6. والذي يظهر لي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا أوحي إليه بآية سورة المنافقين، وفيها أنّ استغفاره وعدمه سواء في حقّهم. تأوَّلَ ذلك على الاستغفار غيرِ المؤكّد وبعثته رحمته بالناس وحرصه على هداهم وتكدّره من اعْتراضهم عن الإيمانِ أن يستغفر للمنافقين استغفاراً مكرّراً مؤكّداً عسى أن يغفر الله لهم ويزول عنهم غضبه تعالى فيهديهم إلى الإيمان الحقّ. بما أنّ مخالطتهم لأحوال الإيمان ولو في ظاهر الحال قد يجرّ إلى تعلّق هديه بقلوبهم بأقلّ سبب، فيكون نزول هذه الآية تأيِيساً من رضى الله عنهم، أي عن البقية الباقية منهم تأييساً لهم ولمن كان على شاكلتهم ممّن اطّلع على دخائلهم فاغتبط بحالهم بأنّهم انتفعوا بصحبة المسلمين والكفار، فالآية تأييس من غير تعيين.

السابقالتالي
2 3