الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

هذه الآية اعتراض بين جملةومنهم من يلمزك في الصدقات } التوبة 58 وجملةومنهم الذين يؤذون النبي } التوبة 61 الآية. وهو استطراد نشأ عن ذكر اللمز في الصدقات أدمج فيه تبيين مصارف الصدقات. والمقصود من أداة الحصر أن ليس شيء من الصدقات بمستحقّ للذين لَمَزوا في الصدقات، وحَصْر الصدقات في كونها مستحقّة للأصناف المذكورة في هذه الآية، فهو قصر إضافي أي الصدقات لهؤلاء لا لكم. وأمّا انحصارها في الأصناف الثمانية دون صنف آخر فيستفاد من الاقتصار عليها في مقام البيان إذ لا تكون صيغة القصر مستعملة للحقيقي والإضافي معاً إلاّ على طريقة استعمال المشترك في معنييه. والفقير صفة مشبّهة أي المتّصف بالفقر وهو عدم امتلاك ما به كفاية لوازم الإنسان في عيشه، وضدّه الغني. وقد تقدّم عند قوله تعالىإن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما } في سورة النساء 135. والمسكين ذو المسكنة، وهي المذلّة التي تحصل بسبب الفقر، ولا شكّ أنّ ذكر أحدهما يغني عن ذكر الآخر، وإنّما النظر فيما إذا جُمع ذكرهما في كلام واحد فقيل هو من قبيل التأكيد، ونسب إلى أبي يوسف ومحمد بن الحسن وأبي علي الجبائي، وقيل يراد بكلّ من الكلمتين معنى غير المراد من الأخرى، واختلف في تفسير ذلك على أقوال كثيرة الأوضح منها أن يكون المراد بالفقير المحتاج احتياجاً لا يبلغ بصاحبه إلى الضراعة والمذلّة. والمسكين المحتاج احتياجاً يُلجئه إلى الضراعة والمذلّة، ونسب هذا إلى مالك، وأبي حنيفة، وابن عباس، والزهري، وابن السكّيت، ويونسَ بن حبيب فالمسكين أشدّ حاجة لأنّ الضراعة تكون عند ضعف الصبر عن تحمّل ألم الخصاصة، والأكثرُ إنمّا يكون ذلك من شدّة الحاجة على نفس المحتاج. وقد تقدّم الكلام عليهما عند قوله تعالىوبذي القربى واليتامى والمساكين } في سورة النساء 36. و { العاملين عليها } معناه العاملون لأجلها، أي لأجل الصدقات فحرف على للتعليل كما في قولهولتكبروا الله على ما هداكم } البقرة 185 أي لأجل هدايته إيّاكم. ومعنى العمل السعي والخدمة وهؤلاء هم الساعون على الأحياء لجمع زكاة الماشية واختيار حرف على في هذا المقام لما يشعر به أصل معناه من التمكّن، أي العاملين لأجلها عملاً قوياً لأنّ السعاة يتجشّمون مشقّةً وعملاً عظيماً، ولعلّ الإشعار بذلك لقصد الإيمان إلى أنّ علّة استحقاقهم مركّبة من أمرين كون عملهم لفائدة الصدقة، وكونه شاقّاً، ويجوز أن تكون على دالَّة على الاستعلاء المجازي، وهو استعلاء التصرف كما يقال هو عامل على المدينة، أي العاملين للنبيء أو للخليفة على الصدقات أي متمكّنين من العمل فيها. وممّن كان على الصدقة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم حَمَل بن مالك بن النابغة الهذلي كان على صدقات هُذيل.

السابقالتالي
2 3 4 5