الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ }

عطف على جملةفإن تابوا } التوبة 5 لتفصيل مفهوم الشرط، أو عطف على جملةفاقتلوا المشركين } التوبة 5 لتخصيص عمومه، أي إلاّ مشركاً استجارك لمصلحة للسِفارة عن قومه أو لمعرفة شرائع الإسلام. وصيغ الكلام بطريقة الشرط لتأكيد حكم الجواب، وللإشارة إلى أنّ الشأن أن تقع الرغبة في الجوار من جانب المشركين. وجيء بحرف { إنْ } التي شأنها أن يكون شرطها نادر الوقوع للتنبيه على أنّ هذا شرط فَرْضيّ لكيلا يزعم المشركون أنّهم لم يتمكّنوا من لقاء النبي صلى الله عليه وسلم فيتّخذوه عذراً للاستمرار على الشرك إذا غزاهم المسلمون. ووقع في «تفسير الفخر» أنّه نقل عن ابن عبّاس قال إنّ رجلاً من المشركين قال لعلي بن أبي طالب أردنا أن نأتي الرسول بعد انقضاء هذا الأجل لسماع كلام الله أو لحاجة أخرى فهل نُقتل. فقال علي لاَ إنّ الله تعالى قال { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره }. أي فأمنه حتّى يسمع كلام الله، وهذا لا يعارض ما رأيناه من أنّ الشرط في قوله تعالى { وإن أحد من المشركين استجارك } الخ، شرط فرضي فإنّه يقتضي أنّ مقالة هذا الرجل وقعت بعد نزول الآية على أنّ هذا المروي لم أقف عليه. وجيء بلفظ أحد من المشركين دون لفظ مشرك للتنصيص على عموم الجنس، لأنّ النكرة في سياق الشرط مثلها في سياق النفي ــــ إذا لم تُبنَ على الفتح احتملت إرادة عموم الجنس واحتملت بعض الأفراد، فكان ذكر { أحد } في سياق الشرط تنصيصاً على العموم بمنزلة البناء على الفتح في سياق النفي بلا. و { أحد } أصله «واحد» لأنّ همزته بدل من الواو ويستعمل بمعنى الجزئي من الناس لأنّه واحد، كما استعمل له «فَرد» في اصطلاح العلوم، فمعنى { أحد من المشركين } مشرك. وتقديم { أحد } على { استجارك } للاهتمام بالمسند إليه، ليكون أول ما يقرع السمع فيقع المسند بعد ذلك من نفس السامع موقع التمكن. وساغ الابتداء بالنكرة لأنّ المراد النوع، أو لأنّ الشرط بمنزلة النفي في إفادة العموم، ولا مانع من دخول حرف الشرط على المبتدأ، لأن وقوع الخبر فعلاً مقنع لحرف الشرط في اقتضائه الجملة الفعلية، فيعلم أنّ الفاعل مقدّم من تأخير لغرض مّا. ولذلك شاع عند النحاة أنّه فاعل بفعل مقدر، وإنّما هو تقدير اعتبارٍ. ولعلّ المقصود من التنصيص على إفادة العموم، ومن تقديم { أحد من المشركين } على الفعل، تأكيد بذل الأمان لمن يسأله من المشركين إذا كان للقائه النبي صلى الله عليه وسلم ودخولِه بلاد الإسلام مصلحة، ولو كان أحد من القبائل التي خانت العهد، لئلاّ تحمِل خيانتُهم المسلمين على أن يخونوهم أو يغدروا بهم فذلك كقوله تعالىولا يجرمنّكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا }

السابقالتالي
2 3