الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ }

عرف المنافقون بالشحّ كما قال الله تعالىأشحة عليكم } الأحزاب 19 ــــ وقال ــــأشحة على الخير } الأحزاب 19 ومن شحّهم أنّهم يودّون أنّ الصدقات توزع عليهم فإذا رأوها تُوزّع على غيرهم طعنوا في إعطائها بمطاعن يُلقونها في أحاديثهم، ويظهرون أنّهم يغارون على مستحقّيها، ويشمئزّون من صرفها في غير أهلها، وإنّما يرومون بذلك أن تقصر عليهم. روي أنّ أبا الجَوَّاظ، من المنافقين، طَعَن في أن أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من أموالِ الصدقات بعضَ ضعفاء الأعراب رعاء الغنم، إعانة لهم، وتأليفاً لقلوبهم، فقال ما هذا بالعدل أن يضع صدقاتكم في رعاء الغنم، وقد أمر أن يقسمها في الفقراء والمساكين، وقد روي أنّه شافه بذلك النبي صلى الله عليه وسلم. وعن أبي سعيد الخدري أنّها نزلت في ذي الخويصرة التميمي الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم اعدل، وكان ذلك في قسمة ذهب جاء من اليمن سنة تسع، فلعل السبب تكرّر، وقد كان ذو الخويصرة من المنافقين من الأعراب. واللّمز القدح والتعييب، مضارعه من باب يضرب، وبه قرأ الجمهور، ومن باب ينصرُ، وبه قرأ يعقوب وحده. وأدخلت { في } على الصدقات، وإنّما اللمز في توزيعها لا في ذواتها لأنّ الاستعمال يدلّ على المراد، فهذا من إسناد الحكم إلى الأعيان والمراد أحوالها. ثم إنّ قوله { فإن أعطوا منها رضوا } يحتمل أنّ المراد ظاهر الضمير أن يعود على المذكور، أي إن أعطي اللامزون، أي إنّ الطاعنين يطمعون أن يأخذوا من أموال الصدقات بوجه هدية وإعانة، فيكون ذلك من بلوغهم الغاية في الحرص والطمع، ويحتمل أنّ الضمير راجع إلى ما رجع إليه ضمير { منهم } أي فإن أعطي المنافقون رضي اللاَّمزون، وإن أعطي غيرهم سخطوا، فالمعنى أنّهم يرومون أن لا تقسم الصدقات إلاّ على فقرائهم ولذلك كره أبو الجَواظ أن يعطى الأعراب من الصدقات. ولم يُذكر متعلّق { رضوا } ، لأنّ المراد صاروا راضين، أي عنك. ودلّت { إذا } الفجائية على أنّ سخطهم أمر يفاجىء العاقل حين يشهده لأنّه يكون في غير مظنّة سخط، وشأن الأمور المفاجئة أن تكون غريبة في بابها.