الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَٱحْصُرُوهُمْ وَٱقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَٱحْصُرُوهُمْ وَٱقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ }. تفريع على قولهفسيحوا في الأرض أربعة أشهر } التوبة 2 فإن كان المراد في الآية المعطوفِ عليها بالأربعة الأشهر أربعةً تبتدىء من وقت نزول براءة كان قوله { فإذا انسلخ الأشهر الحرم } تفريعاً مراداً منه زيادة قيد على قيد الظرف من قولأربعة أشهر } التوبة 2 أي فإذا انتهى أجل الأربعة الأشهر وانسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين إلخ لانتهاء الإذن الذي في قولهفسيحوا في الأرض أربعة أشهر } التوبة 2، وإن كانت الأربعة الأشهر مراداً بها الأشهر الحرم كان قوله { فإذا انسلخ الأشهر الحرم } تصريحاً بمفهوم الإذن بالأمن أربعةَ أشهر، المقتضي أنّه لا أمْن بعد انقضاء الأربعة الأشهر، فهو على حدّ قوله تعالىوإذا حللتم فاصطادوا } المائدة 2، ــــ بعد قوله ــــغير محلي الصيد وأنتم حرم } المائدة 1 فيكون تأجيلاً لهم إلى انقضاء شهر المحرم من سنة عشر، ثم تحذيراً من خرق حرمة شهر رجب، وكذلك يستمرّ الحال في كلّ عام إلى نسخ تأمين الأشهر الحرم كما سيأتي عند قوله تعالىمنها أربعة حرم... فلا تظلموا فيهن أنفسكم } التوبة 36. وانسلاخ الأشهر انقضاؤها وتمامها وهو مطاوع سلخ. وهو في الأصل استعارة من سلخ جلد الحيوان، أي إزالته. ثم شاع هذا الإطلاق حتى صار حقيقة. والحرم جمع حرام وهو سماعي لأنّ فُعُلا بضم الفاء والعيْن إنما ينقاس في الاسم الرباعي ذي مد زائد. وحرام صفة. وقال الرضي في باب الجمع من «شرح الشافية» إن جموع التكسير أكثرها محتاج إلى السماع، وقد تقدّم عند قوله تعالىالشهر الحرام بالشهر الحرام } في سورة البقرة 194. وهي ذو القعدة وذو الحجّة ومحرّم ورجب. وانسلاخها انقضاء المدّة المتتابعة منها، وقد بَقيت حرمتها ما بَقي من المشركين قبيلة، لمصلحة الفريقين، فلما آمن جميع العرب بَطل حكم حُرمة الأشهر الحرم، لأنّ حُرمةَ المحارم الإسلامية أغنت عنها. والأمر في فاقتلوا المشركين } للإذن والإباحة باعتبار كلّ واحد من المأمورات على حدة، أي فقد أُذن لكل في قتلهم، وفي أخذهم، وفي حصارهم، وفي منعهم من المرور بالأرض التي تحت حكم الإسلام، وقد يعرض الوجوب إذا ظهرت مصلحة عظيمة، ومن صور الوجوب ما يأتي في قولهوإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر } التوبة 12 والمقصود هنا أن حرمة العهد قد زالت. وفي هذه الآية شرع الجهاد والإذن فيه والإشارة إلى أنّهم لا يقبل منهم غير الإسلام. وهذه الآية نسخت آيات الموادعة والمعاهدة. وقد عمّت الآية جميع المشركين وعمّت البقاع إلا ما خصصته الأدلّة من الكتاب والسنة. والأخذ الأسر. والحصر المنع من دخول أرض الإسلام إلا بإذن من المسلمين. والقعود مجاز في الثبات في المكان، والملازمةِ له، لأن القعود ثبوت شديد وطويل.

السابقالتالي
2