الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُعْتَدُونَ }

{ لاَ يَرْقُبُونَ فِى مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً }. يجوز أن تكون هذه الجملة بدلَ اشتمال من جملةإنهم ساء ما كانوا يعملون } التوبة 9 لأنّ انتفاء مراعاة الإلّ والذمّة مع المؤمنين ممّا يشتمل عليه سوء عملهم، ويجوز أن تكون استئنافاً ابتُدىء به للاهتمام بمضمون الجملة. وقد أفادت معنى أعمّ وأوسع ممّا أفاده قولهوإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاً ولا ذمة } التوبة 8 لأنّ إطلاق الحكم عن التقييد بشرطإن يظهروا عليكم } التوبة 8 يَفيد أنّ عدم مراعاتهم حقّ الحلف والعهد خُلُق متأصّل فيهم، سواء كانوا أقويّاء أم مستضعفين، وإنّ ذلك لسوء طويتهم للمؤمنين لأجل إيمانهم. والإلّ والذمّة تقدّما قريباً. { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُعْتَدُونَ }. عطف على جملة { لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة } لمناسبة أنّ إثبات الاعتداء العظيم لهم، نشأ عن الحقد، الشيء الذي أضمروه للمؤمنين، لا لشيء إلاّ لأنّهم مؤمنون كقوله تعالىوما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد } البروج 8. والقَصر إمّا أن يكون للمبالغة في اعتدائهم، لأنّه اعتداء عظيم باطني على قوم حالفوهم وعاهدوهم، ولم يُلحقوا بهم ضرّ مع تمكّنهم منه، وإمّا أن يكون قصر قلب، أي هم المعتدون لا أنتمْ لأنّهم بَدَأوكم بنقض العهد في قضية خزاعة وبني الدِّيل من بكر بن وائِل ممّا كان سبباً في غزوة الفتح.