الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْفَجْرِ } * { وَلَيالٍ عَشْرٍ } * { وَٱلشَّفْعِ وَٱلْوَتْرِ } * { وَٱلَّيلِ إِذَا يَسْرِ }

القَسَم بهذه الأزمان من حيث إن بعضها دلائل بديع صنع الله وسعةِ قدرته فيما أوجد من نظام يُظاهر بعضه بعضاً من ذلك وقتَ الفجر الجامع بين انتهاء ظلمة الليل وابتداء نور النهار، ووقت الليل الذي تمحضت فيه الظلمة. وهي مع ذلك أوقات لأفعال من البر وعبادةِ الله وحده، مثل الليالي العشر، والليالي الشفع، والليالي الوتر. والمقصود من هذا القَسَم تحقيق المقسم عليه لأن القسم في الكلام من طرق تأكيد الخبر إذ القسم إشهاد المُقسِم ربه على ما تضمنه كلامه. وقسم الله تعالى متمحض لقصد التأكيد. والكلام موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما دل عليه قولهألم تَرَ كيف فعل ربك بعاد } الفجر 6 وقولهإن ربك لبالمرصاد } الفجر 14. ولذلك فالقسم تعريض بتحقيق حصول المقسم عليه بالنسبة للمنكرين. والمقصد من تطويل القسم بأشياء، التشويقُ إلى المقسم عليه. و { الفجر } اسم لوقتِ ابتداء الضياء في أقصى المشرق من أوائل شعاع الشمس حين يتزحزح الإِظلام عن أول خط يلوح للناظرِ مِنَ الخطوط الفرضية المعروفةِ في تخطيط الكرة الأرضية في الجغرافيا ثم يمتد فيضيء الأفق ثم تظهر الشمس عند الشروق وهو مظهر عظيم من مظاهر القدرة الإِلٰهية وبديع الصنع. فالفجر ابتداء ظهور النور بعد ما تأخذ ظلمة الليل في الإِنصرام وهو وقت مبارك للناس إذ عنده تنتَهي الحالة الداعية إلى النوم الذي هو شبيه الموت ويأخذ الناس في ارتجاع شعورهم وإقبالهم على ما يألفونه من أعمالهم النافعة لهم. فالتعريف في { الفجر } تعريف الجنس وهو الأظهر لمناسبة عطف { والليل إذا يسر }. ويجوز أن يراد فجر معين فقيل أريد وقت صلاة الصبح من كل يوم وهو عن قتادة. وقيل فجر يوم النحر وهو الفجر الذي يكون فيه الحجيج بالمزدلفة وهذا عن ابن عباس وعطاء وعكرمة، فيكون تعريف { الفجر } تعريف العهد. وقوله { وليال عشرٍ } هي ليال معلومة للسامعين موصوفة بأنها عشر واستُغني عن تعريفها بتوصيفها بعشر وإذ قد وصفت بها العدد تعين أنها عشر متتابعة وعدل عن تعريفها مع أنها معروفة ليتوصل بترْك التعريف إلى تنوينها المفيد للتعظيم وليس في ليالي السَّنة عشرُ ليال متتابعة عظيمة مثل عشر ذي الحجّة التي هي وقتُ مناسك الحج، ففيها يكون الإِحرام ودخول مكة وأعمال الطواف، وفي ثامنتها ليلة التروية، وتاسعتها ليلة عرفة وعاشرتها ليلة النحر. فتعين أنها الليالي المرادة بليال عشر. وهو قول ابن عباس وابن الزبير، وروى أحمد والنسائي عن أبي الزبير المكي عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن العشر عشر الأضحى " قال ابن العربي ولم يصح وقال ابن عساكر رجاله لا بأس بهم وعندي أن المتن في رفعه نكارة اهــــ.

السابقالتالي
2 3