الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ } * { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } * { وَإِذَا ٱلأَرْضُ مُدَّتْ } * { وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ } * { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } * { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ }

قدم الظرف { إذا السماء انشقت } على عامله وهو { كادح } للتهويل والتشويق إلى الخبر وأول الكلام في الاعتبار يا أيها الإِنسان إنك كادح إذا السماء انشقت الخ. ولكن لما تعلق { إذا } بجزء من جملة { إنك كادح } وكانت { إذا } ظرفاً متضمناً معنى الشرط صار يا أيها الإنسان إنك كادح جواباً لشرط { إذا } ولذلك يقولون { إذا } ظرف خافض لشرطه منصوب بجوابه، أي خافض لجملة شرطه بإضافته إليها منصوباً بجوابه لتعلقه به فكلاهما عامل ومعمول باختلاف الاعتبار. و { إذا } ظرف للزمان المستقبل، والفعل الذي في الجملة المضافة إليه { إذا } مؤول بالمستقبل وصيغ بالمضيّ للتنبيه على تحقق وقوعه لأن أصل { إذا } القطع بوقوع الشرط. وانشقت مطاوع شَقَّها، أي حين يشقُّ السماءَ شَاقّ فتنشق، أي يريد الله شقها فانشقت كما دل عليه قوله بعده { وأذنت لربها }. والانشقاق هذا هو الانفطار الذي تقدم في قولهإذا السماء انفطرت } الانفطار 1 وهو انشقاق يلوح للناس في جوّ السماء من جرَّاء اختلال تركيب الكرة الهوائية أو من ظهور أجرام كوكبية تخرج عن دوائرها المعتادة في الجو الأعلى فتنشق القبة الهوائية فهو انشقاق يقع عند اختلال نظام هذا العالم. وقدّم المسند إليه على المسند الفعلي في قوله { إذا السماء انشقت } دون أن يقال إذا انشقت السماء لإفادة تقوّي الحكم وهو التعليق الشرطي، أي إن هذا الشرط محقق الوقوع، زيادة على ما يقتضيه { إذا } في الشرطية من قصد الجزم بحصول الشرط بخلاف إنْ. { وأذِنَت } ، أي استمعت، وفِعل أذِن مشتق من اسم جامد وهو اسم الأُذْن بضم الهمزة آلة السمع في الإِنسان يقال أَذِن له كما يقال استمع له، أي أصغى إليه أُذنَهُ. وهو هنا مجاز مرسل في التأثر لأمر الله التكويني بأن تنشق. وليس هو باستعارة تبعية ولا تمثيلية. والتعبير بـــ «ربها» دون غير ذلك من أسماء الله وطرق تعريفه، لِمَا يؤذن به وصف الرب من الملك والتدبير. وجملة { وحُقت } معترضة بين المعطوفة والمعطوف عليه. والمعنى وهي محقوقة بأن تَأْذِن لربّها لأنها لا تخرج عن سلطان قدرته وإن عظم سمكها واشتدّ خَلقها وطال زمان رتقها فما ذلك كله إلا من تقدير الله لها، فهو الذي إذا شاء أزالها. فمتعلِّق { حُقّت } محذوف دل عليه فعل { وأذنت لربها } ، أي وحقت بذلك الانقياد والتأثر يقال حُقَّ فلان بكذا، أي توجه عليه حقّ. ولما كان فاعل توجيه الحَق غيرَ واضح تعيينُه غالباً، كان فهل حُقّ بكذا، مبنياً للمجهول في الاستعمال، ومرفوعه بمعنى اسم المفعول، فيقال حقيق عليه كذا، كقوله تعالىحقيق على أن لا أقول على اللَّه إلا الحق } الأعراف 105 وهو محقوق بكذا، قال الأعشى
لمحقُوقه أن تستجيبي لصوته وأن تعلمي أن المُعان مُوفقُ   

السابقالتالي
2 3