الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ } * { وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ } * { وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ } * { وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَالُّونَ } * { وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ } * { فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ } * { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ }

هذه من جملة القول الذي يقال يوم القيامة للفجار المحكيّ بقوله تعالىثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون } المطففين 17 لأنه مرتبط بقوله في آخره { فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون } إذ يتعين أن يكون قوله { فَاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون } حكاية كلام يصدر في يوم القيامة، إذ تعريف «اليوم» باللام ونصبه على الظرفية يقتضيان أنه يوم حاضر موقّت به الفعل المتعلق هو به، ومعلوم أن اليوم الذي يَضحَك فيه المؤمنون من الكفار وهم على الأرائك هو يوم حاضر حين نزول هذه الآيات وسيأتي مزيد إيضاح لهذا ولأن قوله { كانوا من الذين آمنوا يضحكون } ظاهر في أنه حكاية كونٍ مضى، وكذلك معطوفاته من قوله «وإذا مَرّوا، وإذا انقلبوا، وإذا رَأوهم» فدل السياق على أن هذا الكلام حكاية قول ينادي به يوم القيامة مِن حضرة القدس على رؤوس الأشهاد. فإذا جريتَ على ثاني الوجهين المتقدمين في موقع جُملكلاّ إن كتاب الأبرار لفي عليين } المطففين 18 الآيات، من أنها محكية بالقول الواقع في قوله تعالىثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون } المطففين 17 إلى هنا فهذه متصلة بها. والتعبير عنهم بالذين أجرموا إظهار في مقام الإِضمار على طريقة الالتفات إذ مقتضى الظاهر أن يقال لهم إنكم كنتم من الذين آمنوا تضحكون، وهكذا على طريق الخطاب وإن جريت على الوجه الأول بجعل تلك الجمل اعتراضاً، فهذه الجملة مبدأ كلام متصل بقولهثم إنهم لصَالوا الجحيم } المطففين 16 واقع موقع بدل الاشتمال لمضمون جملةإنهم لصالوا الجحيم } المطففين 16 باعتبار ما جاء في آخر هذا من قوله { فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون } فالتعبير بالذين أجرموا إذَن جار على مقتضى الظاهر وليس بالتفات. وقد اتّضح بما قرَّرناه تناسب نظم هذه الآيات من قولهكلاّ إن كتاب الأبرار لفي عليين } المطففين 18 إلى هنا مزِيدَ اتضاح، وذلك مما أغفل المفسرون العناية بتوضيحه، سوى أن ابن عطية أورد كلمة مجملة فقال «ولما كانت الآيات المتقدمة قد نيطت بيوم القيامة وأن الويل يومئذ للمكذبين ساغ أن يقول { فاليوم } على حكاية ما يقال اهــــ. و { إذا } في المواضع الثلاثة مستعمل للزمان الماضي كقوله تعالىولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً } التوبة 92 وقولهوإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به } النساء 83. والمقصود من ذكره أنه بعد أن ذكر حال المشركين على حِدة، وذكر حال المسلمين على حِدة، أعقب بما فيه صفة لعاقبة المشركين في معاملتهم للمؤمنين في الدنيا ليعلموا جزاء الفريقين معاً. وإصدار ذلك المقال يوم القيامة مستعمل في التنديم والتشميت كما اقتضته خلاصته من قوله { فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون } إلى آخر السورة.

السابقالتالي
2 3 4 5