الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } * { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ } * { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ } * { يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ } * { خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَافِسُونَ } * { وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ } * { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا ٱلْمُقَرَّبُونَ }

مضمون هذه الجملة قسيم لمضمون جملةإنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } المطففين 15 إلى آخرها. ولذلك جاءت على نسيج نظم قسيمتها افتتاحاً وتوصيفاً وفصلاً، وهي مبيِّنة لجملةإن كتاب الأبرار لفي عليين } المطففين 18 فموقعها موقع البيان أو موقع بدل الاشتمال على كلا الوجهين في موقع التي قبلها على أنه يجوز أن تكون من الكلام الذي يقال لهم، وهو المحكي بقولهثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون } المطففين 17 فيكون قولُ ذلك لهم، تحسيراً وتنديماً على تفريطهم في الإِيمان. وأحد الوجهين لا يناكد الوجه الآخر فيما قُرر للجملة من الخصوصيات. وذُكر الأبرار بالاسم الظاهر دون ضميرهم. خلافاً لما جاء في جملةإنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } المطففين 15 تنويهاً بوصف الأبرار. وقوله { على الأرائك } خبر ثان عن الأبرار، أي هم على الأرائك، أي متكئون عليها. والأرائك جمع أريكة بوزن سفينة، والأريكة اسم لمجموع سَرير ووسادتِه وحَجلةٍ منصوبة عليهما، فلا يقال أريكة إلا لمجموع هذه الثلاثة، وقيل إنها حبشيَّة وتقدم عند قوله تعالىمتكئين فيها على الأرائك } في سورة الإنسان 13. و { ينظرون } في موضع الحال من الأبرار. وحذف مفعول { ينظرون } إما لدلالة ما تقدم عليه من قوله في ضدهمإنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } المطففين 15 والتقدير ينظرون إلى ربهم، وإما لقصد التعميم، أي ينظرون كل ما يبهج نفوسهم ويسرهم بقرينة مقام الوعد والتكريم. وقرأ الجمهور { تَعرف } بصيغة الخطاب ونصب { نضرةَ } وهو خطاب لغير معين. أي تعرف يا من يراهم. وقرأه أبو جعفر ويعقوب «تُعْرَف» بصيغة البناء للمجهول ورفع «نضرةُ». ومآل المعنيين واحد إلا أن قراءة الجمهور جرت على الطريقة الخاصة في استعماله. وجرت قراءة أبي جعفر ويعقوب على الطريقة التي لا تختص به. والخطابُ بمثله في مقام وصف الأمور العظيمة طريقة عربية مشهورة، وهذه الجملة خبر ثالث عن { الأبرارَ } أو حال ثانية له. والنضْرة البهجة والحُسن، وإضافة { نضرة } إلى { النعيم } من إضافة المسبب إلى السبب، أي النضرة والبهجة التي تكون لوجه المسرور الراضي إذ تبدو على وجهه ملامح السرور. وجملة { يُسقون من رحيق } خبر رابع عن الأبرار أو حال ثالثة منه. وعبر بــــ { يُسقون } دون يشربون، للدلالة على أنهم مخدُومون يخدمهم مخلوقات لأجل ذلك في الجنة. وذلك من تمام الترفه ولذة الراحة. والرحيق اسم للخمر الصافية الطيبة. والمختوم المسدود إناؤه، أي بَاطيَتُه، وهو اسم مفعول من خَتمه إذا شدّ بصنف من الطين معروف بالصلابة إذا يبس فيعسر قلعه وإذا قلع ظهر أنه مقلوع كانوا يجعلونه للختم على الرسائل لئلا يقرأ حاملها ما فيها ولذلك يقولون من كرم الكتاب ختمه ويجعلون علامة عليه، تطبع فيه وهو رَطْب فإذا يبس تعذر فسخها، ويسمى ما تُطبع به خاتَماً بفتح الفوقية، وكان الملوك والأمراء والسادة يجعلون لأنفسهم خواتيم يضعونها في أحد الخنصرين ليجدوها عند إصدار الرسائل عنهم، قال جرير

السابقالتالي
2 3