الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } * { ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } * { وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } * { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ }

جملة { ويل يومئذٍ للمكذبين } يجوز أن تكون مبينة لمضموم جملةألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم } المطففين 4، 5 فإن قوله { يومئذ } يفيد تنوينُه جملةً محذوفة جعل التنوين عوضاً عنها تقديرها يومَ إذ يقوم الناس لرب العالمين ويل فيه للمكذبين. ويجوز أن تكون ابتدائيّة وبَيْن المكذبين بيوم الدين والمطففين عموم وخصوص وجهي فمن المكذبين من هم مطففون ومن المطففين مسلمون وأهل كتاب لا يكذبون بيوم الدين، فتكون هذه الجملة إدماجاً لتهديد المشركين المكذبين بيوم الدين وإن لم يكونوا من المطففين. وقد ذُكر المكذبون مجملاً في قوله { للمكذبين } ثم أعيد مفصلاً ببيان متعلق التكذيب، وهو { بيوم الدين } لزيادة تقرير تكذيبهم أذهان السامعين منهم ومن غيرهم من المسلمين وأهل الكتاب، فالصفة هنا للتهديد وتحذير المطففين المسلمين من أن يستخفوا بالتطفيف فيكونوا بمنزلة المكذبين بالجزاء عليه. ومعنى التكذيب بــــ «يوم الدين» التكذيب بوقوعه. فالتكذيب بيوم الجزاء هو منشأ الإقدام على السيئات والجرائم، ولذلك أعقبه بقوله { وما يكذب به إلا كل معتدٍ أثيم إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين } أي أن تكذيبهم به جهل بحكمة الله تعالى في خلق الناس وتكليفهم إذ الحكمة من خلق الناس تقتضي تحسين أعمالهم وحفظ نظامهم. فلذلك جاءتهم الشرائع آمرة بالصلاح وناهية عن الفساد. ورتب لهم الجزاء على أعمالهم الصالحة بالثواب والكرامة، وعلى أعمالهم السيئة بالعذاب والإهانة. كل على حسب عمله فلو أهمل الخالق تقويم مخلوقاته وأهمل جزاء الصالحين والمفسدين، لم يكن ذلك من حكمة الخلق قال تعالىأفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى اللَّه الملك الحق } المؤمنون 115، 116. وقد ذكر للمكذبين بيوم الدين ثلاثة أوصاف وهي معتد، أثيم، يقول إن الآيات أساطير الأولين. والاعتداء الظلم، والمعتدي المشرك والكافر بما جاءه من الشرائع لأنهم اعتدوا على الله بالإشراك، وعلى رسله بالتكذيب، واعتدوا على دلائل الحق فلم ينظروا فيها أو لم يعملوا بها. والأثيم مبالغة في الآثِم، أي كثير الإثم. وصيغة القصر من النفي والاستثناء تفيد قصر صفة التكذيب بيوم الدين على المعتدين الآثمين الزاعمين القرآن أساطير الأولين. فهو قصر صفة على موصوف وهو قصر حقيقي لأن يوم الدين لا يكذب به إلا غير المتدينين المشركون والوثنيون وأضرابهم ممن جمع الأوصاف الثلاثة، وأعظمها التكذيب بالقرآن فإن أهل الكتاب والصابئة لا يكذبون بيوم الدين، وكثير من أهل الشرك لا يكذبون بيوم الدين مثل أصحاب ديانة القبط. فالذين يكذبون بيوم الدين هم مشركو العرب ومن شابههم مثل الدّهريين فإنهم تحققت فيهم الصفتان الأولى والثانية وهي الاعتداء والإثم وهو ظاهر، وأما زعم القرآن أساطيرَ الأولين فهو مقالة المشركين من العرب وهم المقصود ابتداء وأما غيرهم ممن لم يؤثر عنهم هذا القول فهم متهيئون لأن يقولوه، أو يقولوا ما يساويه أو يَؤُول إليه، لأن من لم يعرض عليهم القرآنُ منهم لو عرض عليه القرآن لكذَّب به تكذيباً يساوي اعتقاد أنه من وضع البشر، فهؤلاء وإن لم يقولوا القرآن أساطير الأولين فظنهم في القرآن يساوي ظن المشركين فنزلوا منزلة من يقوله.

السابقالتالي
2