الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ } * { أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ } * { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } * { أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكْرَىٰ }

افتتاح هذه السورة بفعلين متحملين لضمير لا معاد له في الكلام تشويق لما سيورد بعدهما، والفعلان يشعران بأن المحكي حادث عظيم، فأما الضمائر فيبين إبهامها قولُهفأنت له تصدى } عبس 6 وأما الحادث فيتبين من ذكر الأعمى ومَن استغنى. وهذا الحادث سبب نزول هذه الآيات من أولها إلى قولهبررة } عبس 16. وهو ما رواه مالك في «الموطأ» مرسلاً عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال " أنزلت { عبس وتولى } في ابن أم مكتوم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول يا محمد استدنني، وعند النبي صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه أي عن ابن أم مكتوم ويُقبل على الآخر، ويقول يا أبا فلان هل ترى بما أقول بأساً فيقول «لا والدِّماء ما أرى بما تقول بأساً» " ، فأنزلت { عبس وتولى }. ورواه الترمذي مسنداً عن عروة عن عائشة بقريب من هذا، وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب. وروى الطبري عن ابن عباس «أن ابن أم مكتوم جاء يستقرىءُ النبي صلى الله عليه وسلم آيةً من القرآن ومثله عن قتادة. وقال الواحدي وغيره «كان النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ يناجي عتبَة بن ربيعة وأبا جهل، والعباسَ بن عبد المطلب، وأبيَّ بن خلف، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن المغيرة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقبل على الوليد بن المغيرة يَعرض عليهم الإِسلام. ولا خلاف في أن المراد بــــ { الأعمى } هو ابن أم مكتوم. قيل اسمه عبد الله وقيل اسمه عَمْرو، وهو الذي اعتمده في «الإِصابة»، وهو ابن قيس بن زائدة من بني عامر بن لؤي من قريش. وأمه عاتكة، وكنيت أمَّ مكتوم لأن ابنها عبد الله ولد أعمى والأعمى يكنى عنه بمكتوم. ونسب إلى أمه لأنها أشرف بيتاً من بيت أبيه لأن بني مخزوم من أهل بيوتات قريش فوق بني عامر بن لؤي. وهذا كما نسب عَمْرو بن المنذر ملكُ الحِيرة إلى أمه هند بنت الحارث بن عمرو بن حُجر آكِل المُرار زيادة في تشريفه بوراثة الملك من قبل أبيه وأمه. ووقع في «الكشاف» أن أم مكتوم هي أم أبيه. وقال الطيبي إنه وهَم، وأسلم قديماً وهاجر إلى المدينة قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم إليها، وتوفي بالقادسية في خلافة عمر بعد سنة أربع عشرة أو خمس عشرة. وفيه نزلت هذه السورة وآيةُغيرَ أُولي الضرر } من سورة النساء 95. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبّه ويُكرمه وقد استخلفه على المدينة في خروجه إلى الغزوات ثلاث عشرة مرة، وكان مؤذِّنَ النبي صلى الله عليه وسلم هو وبلال بن رباح.

السابقالتالي
2 3