الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ } * { أَنَّا صَبَبْنَا ٱلْمَآءَ صَبّاً } * { ثُمَّ شَقَقْنَا ٱلأَرْضَ شَقّاً } * { فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً } * { وَعِنَباً وَقَضْباً } * { وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً } * { وَحَدَآئِقَ غُلْباً } * { وَفَاكِهَةً وَأَبّاً } * { مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ }

إما مفرع على قولهلَمَّا يقض ما أمره } عبس 23 فيكون مما أمره الله به من النظر، وإما على قولهما أكفره } عبس 17 فيكون هذا النظر مما يبطل ويزيل شدة كفر الإنسان. والفاء مع كونها للتفريع تفيد معنى الفصيحة، إذ التقدير إن أراد أن يقضي ما أمره فلينظر إلى طعامه أو إن أراد نقض كفره فلينظر إلى طعامه. وهذا نظير الفاء في قوله تعالىإن كل نفس لما عليها حافظ فلينظر الإنسان ممّ خلق } الطارق 4، 5، أي إن أراد الإنسان الخلاص من تبعات ما يكتبه عليه الحافظ فلينظر مِمَّ خُلق ليهتدي بالنظر فيؤمن فينجو. وهذا استدلال آخر على تقريب كيفية البعث انتقل إليه في معرض الإرشاد إلى تدارك الإِنسان ما أهملَه وكان الانتقال من الاستدلال بما في خَلْق الإنسان من بديع الصنع من دلائل قائمة بنفسه في آيةمن أي شيء خلقه } عبس 18 إلى الاستدلال بأحوال موجودة في بعض الكائنات شديدة الملازمة لحياة الإنسان ترسيخاً للاستدلال، وتفنناً فيه، وتعريضاً بالمنة على الإِنسان في هذه الدلائل، من نعمة النبات الذي به بقاء حياة الإنسان وحياة ما ينفعه من الأنعام. وتعدية فعل النظر هنا بحرف { إلى } تدل على أنه من نظر العين إشارة إلى أن العبرة تحصل بمجرد النظر في أطواره. والمقصود التدبر فيما يشاهده الإنسان من أحوال طعامه بالاستدلال بها على إيجاد الموجودات من الأرض. وجُعل المنظور إليه ذاتَ الطعام مع أن المراد النظر إلى أسباب تكونه وأحوال تطوره إلى حالة انتفاع الإنسان به وانتفاع أنعام الناس به. وذلك من أسلوب إناطة الأحكام بأسماء الذوات، والمراد أحوالها مثل قوله تعالىحرمت عليكم الميتة } المائدة 3 أي أكلها، فأمر الله الإنسان بالتفكير في أطوار تكوّن الحبوب والثمار التي بها طعامه، وقد وُصف له تطور ذلك ليَتَأمل ما أودع إليه في ذلك من بديع التكوين سواء رأى ذلك ببصره أم لم يَره، ولا يخلو أحد عن علمٍ إجمالي بذلك، فيزيده هذا الوصف علماً تفصيلياً، وفي جميع تلك الأطوار تمثيل لإحياء الأجساد المستقرة في الأرض، فقد يكون هذا التمثيل في مجرد الهيئة الحاصلة بإحياء الأجساد، وقد يكون تمثيلاً في جميع تلك الأطوار بأن تُخرج الأجساد من الأرض كخروج النبات بأن يكون بَذرها في الأرض ويُرسل الله لها قُوى لا نعلمها تُشابه قوة الماء الذي به تحيا بذور النبات، قال تعالىوالله أنبتكم من الأرض نباتاً ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجاً } نوح 17، 18. وفي «تفسير ابن كثير» عند قوله تعالىوإذا النفوس زُوّجت } التكوير 7 عن ابن أبي حاتم بسنده إلى ابن عباس «يسيل واد من أصل العرش فيما بين الصيحتين فينبت منه كلُّ خلق بَلِي إنسانٍ أو دابة ولو مرّ عليهم مارٌّ قد عرفهم قبل ذلك لعرفهم قد نبتوا على وجه الأرض، ثم ترسل الأرواح فتزوج الأجساد» ا هــــ.

السابقالتالي
2 3 4