الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ } * { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } * { فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ } * { مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ } * { بِأَيْدِي سَفَرَةٍ } * { كِرَامٍ بَرَرَةٍ }

{ كَلاَّ }. إبطال وقد تقدم ذكر كلاّ في سورة مريم 79 ـــ 82، وتقدم قريباً في سورة النبأ 4، 5، وهو هنا إبطال لما جرى في الكلام السابق ولو بالمفهوم كما في قولهوما يُدريك لعله يزَّكَّى } عبس 3. ولو بالتعريض أيضاً كما في قولهعبسَ وتولّى } عبس 1. وعلى التفسير الثاني المتقدم ينصرف الإِبطال إلى { عَبس وتولّى } خاصة. ويجوز أن يكون تأكيداً لقولهوما عليك ألاَّ يزكى } عبس 7 على التفسيرين، أي لا تظن أنك مسؤول عن مكابرته وعناده فقد بلَّغت ما أمرتَ بتبليغه. { إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ * فَى صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ * مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِى سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ }. استئناف بعد حرف الإِبطال، وهو استئناف بياني لأن ما تقدم من العتاب ثم ما عقبه من الإِبطال يثير في خاطر الرسول صلى الله عليه وسلم الحيرة في كيف يكون العمل في دعوة صناديد قريش إذا لم يتفرغ لهم لئلا ينفروا عن التدبر في القرآن، أو يثير في نفسه مخافة أن يكون قصَّر في شيء من واجب التبليغ. وضمير { إنها } عائد إلى الدعوة التي تضمنها قولهفأنت له تصَّدَّى } عبس 6. ويجوز أن يَكون المعنى أن هذه الموعظة تذكرة لك وتنبيه لما غفلت عنه وليست ملاماً وإنما يعاتب الحبيبُ حبيبَه. ويجوز عندي أن يكون { كلا إنها تذكرة } استئنافاً ابتدائياً موجهاً إلى من كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه قُبيل نزول السورة فإنه كان يَعرض القرآن على الوليد بن المغيرة ومَن معه، وكانوا لا يستجيبون إلى ما دعاهم ولا يصدقون بالبعث، فتكون كلاّ إبطالاً لما نَعتوا به القرآن من أنه أساطير الأولين أو نحوِ ذلك. فيكون ضمير { إنها تذكرة } عائداً إلى الآيات التي قرأها النبي صلى الله عليه وسلم عليهم في ذلك المجلس ثم أعيد عليها الضمير بالتذكير للتنبيه على أن المراد آيات القرآن. ويؤيد هذا الوجهَ قولُه تعالى عَقبهقُتل الإنسانُ ما أكفره } عبس 17 الآيات حيث ساق لهم أدلة إثبات البعث. فكان تأنيث الضمير نكتةً خصوصية لتحميل الكلام هذه المعاني. والضمير الظاهر في قوله { ذكره } يجوز أن يعود إلى { تذكرة } لأن مَا صَدْقَها القرآن الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرضه على صناديد قريش قُبيل نزول هذه السورة، أي فمن شاء ذكَرَ القرآن وعمل به. ويجوز أن يكون الضمير عائداً إلى الله تعالى فإن إعادة ضمير الغيبة على الله تعالى دون ذِكر معاده في الكلام كثير في القرآن لأن شؤونه تعالى وأحكامه نزل القرآن لأجلها فهو ملحوظ لكل سامع للقرآن، أي فمن شاء ذكر الله وتوخّى مرضاته. والذِكر على كلا الوجهين الذكر بالقلب، وهو توخّي الوقوف عند الأمر والنهي.

السابقالتالي
2 3 4