الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }

الأظهر أنّ هذه جملة معترضة بين جملةوالذين كفروا بعضهم أولياء بعض } الأنفال 73، وجملةوالذين آمنوا من بعد وهاجروا } الأنفال 75 الآية، والواو اعتراضية للتنويه بالمهاجرين والأنصار، وبيان جزائهم وثوابهم، بعد بيان أحكام ولاية بعضهم لبعض بقولهإن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله } الأنفال 72 إلى قولهأولئك بعضهم أولياء بعض } الأنفال 72 فليست هذه تكريراً للأولى، وإن تشابهت ألفاظها فالأولى لبيان ولاية بعضهم لبعض، وهذه واردة للثناء عليهم والشهادة لهم بصدق الإيمان مع وعدهم بالجزاء. وجيء باسم الإشارة في قوله { أولئك هم المؤمنون } لمثل الغرض الذي جيء به لأجله في قولهأولئك بعضهم أولياء بعض } الأنفال 72 كما تقدّم. وهذه الصيغة صيغة قصر، أي قصر الإيمان عليهم دون غيرهم ممّن لم يهاجروا، والقصر هنا مقيّد بالحال في قوله { حَقّاً }. فقوله { حقّا } حال من { المؤمنون } وهو مصدر جعل من صفتهم، فالمعنى أنّهم حاقّون، أي محقّقون لإيمانهم بأن عضّدوه بالهجرة من دار الكفر، وليس الحقّ هنا بمعنى المقابل للباطل، حتّى يكون إيمان غيرهم ممّن لم يهاجروا باطلاً، لأنّ قرينة قولهوالذين آمنوا ولم يهاجروا } الأنفال 72 مانعة من ذلك، إذ قد أثبت لهم الإيمان، ونفى عنهم استحقاق ولاية المؤمنين. والرزق الكريم هو الذي لا يخالط النفع به ضرّ ولا نكد، فهو نفع محض لا كدر فيه.