الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }

افتتاح السورة بـ { يسألونك عن الأنفال } مؤذن بأن المسلمين لم يعلموا ماذا يكون في شأن المسمى عندهم { الأنفال } وكان ذلك يومَ بدر، وأنهم حاوروا رسول الله عليه الصلاة والسلام في ذلك، فمنهم من يتكلم بصريح السؤال، ومنهم من يخاصم أو يجادل غيره بما يؤذن حاله بأنه يتطلب فهْماً في هذا الشأن، وقد تكررت الحوادث يومئذ ففي «صحيح مسلم»، و«جامع الترمذي» عن سعد بن أبي وقاص قال «لما كان يوم بدر ـ أصبت سيفاً لسعيد بن العاصي فأتيتُ به النبي صلى الله عليه وسلم فقلت نفلْنيهِ، فقال ضعه في القَبَض، ثم قلت نفلنيه فقال ضعْه حيثُ أخذته، ثم قلت نفلنيه فقال ضعه من حيث أخذته، فنزلت { يسألونك عن الأنفال } » وفي «أسباب النزول» للواحدي، و«سيرة ابن إسحاق» عن عبادة بن الصامت، أنه سئل عن الأنفال فقال فينا معشر أصحاب بدر نزلتْ حين اختلفنا في النفل يوم بدر فانتزعه الله من أيدينا حين ساءت فيه أخلاقُنا فرده على رسوله فقسمه بيننا على بواء يقول على السواء، وروى أبو داود، عن ابن عباس، قال «لما كان يومُ بدر ذهب الشبان للقتال وجلس الشيوخ تحت الرايات فلما كانت الغنيمة جاء الشبان يطلبون نفلهم فقال الشيوخ لا تستأثرون علينا فانا كنا تحت الرايات ولو أنهزمتم لكنا ردءاً لكم، واختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى { يسألونك عن الأنفال }. والسؤال حقيقته الطلب، فإذا عدّي بـعن فهو طلب معرفة المجرور بـعن وإذا عدّي بنفسه فهو طلب إعطاء الشيء، فالمعنى، هنا يسألونك معرفة الأنفال، أي معرفة حقها فهو من تعليق الفعل باسم ذات، والمراد حالها بحسب القرينة مثلحرمت عليكم الميتة } المائدة 3 وإنما سألوا عن حكمها صراحة وضمناً في ضمن سؤالهم الأثرة ببعضها. ومجيء الفعل بصيغة المضارع دال على تكرر السؤال، إما بإعادته المرة بعد الأخرى من سائلين متعددين، وإما بكثرة السائلين عن ذلك حين المحاورة في موقف واحد. ولذلك كان قوله { يسألونك } موذناً بتنازع بين الجيش في استحقاق الأنفال، وقد كانت لهم عوائد متبعة في الجاهلية في الغنائم والأنفال أرادوا العمل بها وتخالفوا في شأنها فسألوا، وضمير جمع الغائب إلى معروف عند النبي وبين السامعين حين نزول الآية. والأنفال جمع نفل ـ بالتحريك ـ والنفل مشتق من النافلة وهي الزيادة في العطاء، وقد أطلق العرب في القديم الأنفال على الغنائم في الحرب كأنهم اعتبروها زيادة على المقصود من الحرب لأن المقصود الأهمِ من الحرب هو إبادة الأعداء، ولذلك ربما كان صناديدهم يأبون أخذ الغنائم كما قال عنترة
يخبرك من شَهد الوقيعة أنني أغشى الوغى وأعف عند المغنم   
وأقوالهم في هذا كثيرة، فإطلاق الأنفال في كلامهم على الغنائِم مشهور قال عنترة

السابقالتالي
2 3 4 5 6