استئناف ابتدائي كالفذلكة لما تقدم من وعيد ووَعد، إنذار وتبشير، سيق مساق التنويه بـــ{ يوم الفصل } النبأ 17 الذي ابتدىء الكلام عليه من قوله{ إن يوم الفصل كان ميقاتاً } النبأ 17. والمقصود التنويه بعظيم ما يقع فيه من الجزاء بالثواب والعقاب وهو نتيجة أعمال الناس من يوم وجود الإِنسان في الأرض. فوصف اليوم بالحق يجوز أن يراد به الثابت الواقع كما في قوله تعالى{ وإن الدين لواقع } الذاريات 6 قوله آنفاً { إن يوم الفصل كان ميقاتاً } ، فيكون { الحق } بمعنى الثابت مثل ما في قوله تعالى{ واقترب الوعد الحق } الأنبياء 97. ويجوز أن يراد بالحق ما قابل الباطل، أي العدلُ وفصلُ القضاء فيكون وصف اليوم به على وجه المجاز العقلي إذ الحق يقع فيه واليوم ظرف له قال تعالى{ يوم القيامة يُفصَلُ بينكم } الممتحنة 3. ويجوز أن يكون الحق بمعنى الحقيق بمسمى اليوم لأنه شاع إطلاق اسم اليوم على اليوم الذي يكون فيه نصر قبيلة على أخرى مثل يومِ حليمة، ويوم بُعَاث. والمعنى ذلك اليوم الذي يحق له أن يقال يوم، وليس كأيام انتصار الناس بعضهم على بعض في الدنيا فيكون كقوله تعالى{ ذلك يوم التغابن } التغابن 9، فهو يوم انتقام الله من أعدائه الذين كفروا نعمته وأشركوا به عبيده في الإِلٰهية ويكون وصف الحق بمثل المعنى الذي في قوله تعالى{ الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به } البقرة 121، أي التلاوة الحقيقة باسم التلاوة وهي التلاوة بفهم معاني المتلوّ وأغراضه. والإِشارة بقوله { ذلك } إلى اليوم المتقدم في قوله{ إن يوم الفصل كان ميقاتاً } النبأ 17. ومفاد اسم الإشارة في مثل هذا المقام التنبيه على أن المشار إليه حقيق بما سيوصف به بسبب ما سبق من حكاية شؤونه كما في قوله تعالى{ أولئك على هدى من ربهم } البقرة 5 بعد قوله{ هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب } البقرة2 ـــ 3 إلى قوله{ وبالآخرة هم يوقنون } البقرة 4، فلأجل جميع ما وصف به { يوم الفصل } كان حقيقاً بأن يوصف بأنه { اليوم الحق } وما تفرع عن ذلك من قوله { فمن شاء اتخذ إلى ربه مئاباً }. وتعريف { اليوم } باللام للدلالة على معنى الكمال، أي هو الأعظم من بين ما يعده الناس من أيام النصر للمنتصرين لأنه يوم يجمع فيه الناس كلهم ويعطى كل واحد منهم ما هو أهله من خير أو شر فكأنَّ ما عداه من الأيام المشهورة في تاريخ البشر غير ثابت الوقوع. وفرّع عليه { فمن شاء اتخذ إلى ربه مئاباً } بفاء الفصيحة لإفصاحها عن شرط مقدر ناشىء عن الكلام السابق. والتقدير فإذا علمتم ذلك كله فمن شاء اتخاذ مآب عند ربه فليتخذه، أي فقد بان لكم ما في ذلك اليوم من خير وشر فليختر صاحب المشيئة ما يليق به للمصير في ذلك اليوم.