الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً } * { حَدَآئِقَ وَأَعْنَاباً } * { وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً } * { وَكَأْساً دِهَاقاً } * { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ كِذَّاباً } * { جَزَآءً مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَاباً }

جرى هذا الانتقال على عادة القرآن في تعقيب الإِنذار للمنذَرين بتبشير من هم أهل للتبشير. فانتقل من ترهيب الكافرين بما سيلاقونه إلى ترغيب المتقين فيما أُعدَّ لهم في الآخرة من كرامة ومن سلامة مما وقع فيه أهل الشرك. فالجملة متصلة بجملةإن جهنّم كانت مرصاداً للطاغين مئاباً } النبأ 21 ـــ 22 وهي مستأنفة استئنافاً ابتدائياً بمناسبة مُقتضِي الانتقال. وافتتاحها بحرف { إنَّ } للدلالة على الاهتمام بالخبر لئلا يشك فيه أحد. والمقصود من المتقين المؤمنون الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم واتبعوا ما أمرهم به واجتنبوا ما نهاهم عنه لأنهم المقصود من مقابلتهم بالطاغين المشركين. والمفاز مكان الفوز وهو الظفَر بالخير ونيل المطلوب. ويجوز أن يكون مصدراً ميمياً بمعنى الفوز، وتنوينُه للتعظيم. وتقديم خبر { إن } على اسمها للاهتمام به تنويهاً بالمتقين. والمراد بالمفاز الجنة ونعيمها. وأوثرت كلمة { مفازاً } على كلمة الجنة، لأن في اشتقاقه إثارة الندامة في نفوس المخاطبين بقولهفتأتون أفواجاً } النبأ 18 وبقولهفذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً } النبأ 30. وأُبْدل { حدائق } من { مفازاً } بدلَ بعض من كل باعتبار أنه بعض من مكان الفوز، أو بدل اشتمال باعتبار معنى الفوز. والحدائق جمع حديقة وهي الجنة من النخيل والأشجار ذواتِ الساق المحوطة بحائط أو جدار أو حضائر. والأعناب جمع عِنَب وهو اسم يطلق على شَجرة الكَرْم ويطلق على ثمرها. والكواعب جمع كاعِب، وهي الجارية التي بلغت سن خمس عشرة سنة ونحوها. ووصفت بكاعب لأنها تكَعَّب ثديُها، أي صار كالكعب، أي استدار ونتأ، يقال كَعَبَتْ من باب قَعَد، ويقال كَعَّبت بتشديد العين، ولما كان كاعب وصفاً خاصاً بالمرأة لم تلحقه هاء التأنيث وجمع على فواعل. والأتراب جمع تِرب بكسر فسكون هو المساوي غيره في السِنّ، وأكثر ما يطلق على الإناث. قيل هو مشتق من التراب فقيل لأنه حينَ يولد يقع على التراب مِثل الآخر، أو لأن التِرْب ينشأ مع لِدَته في سنّ الصِّبا يلعب بالتراب. وقيل مشتق من الترائب تشبيهاً في التساوي بالترائب وهي ضلوع الصدر فإنها متساوية. وتقدم الأتراب في قوله تعالىعرباً أتراباً } في الواقعة 37، فيجوز أن يَكون وصفهن بالأتراب بالنسبة بينهن في تساوي السن لزيادة الحسن، أي لا تفوت واحدة منهن غيرها، أي فلا تكون النفس إلى إحداهن أميل منها إلى الأخرى فتكون بعضهن أقل مسرة في نفس الرجل. ويجوز أن يكون هذا الوصف بالنسبة بينهن وبين أزواجهن لأن ذلك أحب إلى الرجال في معتاد أهل الدنيا لأنه أوفق بطرح التكلف بين الزوجين وذلك أحلى المعاشرة. والكأس إناء معدّ لشرب الخمر وهو اسم مؤنث تكون من زجاج ومن فضة ومن ذهب، وربما ذكر في كتب اللغة أن الكأس الزجاجة فيها الشرابُ، ولم أقف على أن لها شكلاً معيّناً يميزها عن القَدَح وعن الكُوب وعن الكوز، ولم أجد في قواميس اللغة التعريف بالكأس بأنها إناء الخمر وأنها الإِناء ما دام فيه الشراب.

السابقالتالي
2 3