الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً }

جملة هي حال من ضميرتأتون } النبأ 18. والتقدير وقد فتحت السماء، أي قد حصل النفخ قبلَ ذلك أو معه. ويجوز أن تكون معطوفة على جملةينفخ في الصور } النبأ 18 فيعتبريوم } النبأ 18 مضافاً إلى هذه الجملة على حدّ قولهويوم تَشَّقَّقُ السماء بالغمام } الفرقان 25. والتعبير بالفعل الماضي على هذا الوجه لتحقيق وقوع هذا التفتيح حتى كأنه قد مضى وقوعه. وفتح السماء انشقاقها بنزول الملائكة من بعض السماوات التي هي مقرّهم نزولاً يحضرون به لتنفيذ أمر الجزاء كما قال تعالىويوم تشقّق السماء بالغمام ونُزّل الملائكة تنزيلاً الملك يومئذ الحق للرحمٰن } الفرقان 25، 26. وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر وأبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب " وفُتِّحَت " بتشديد الفوقية، وهو مبالغة في فعل الفَتح بكثرة الفتح أو شدته إشارة إلى أنه فتح عظيم لأن شق السماء لا يقدر عليه إلا الله. وقرأه عاصم وحمزة والكسائي وخلَف بتخفيف الفوقية على أصل الفعل ومجرد تعلق الفتح بالسماء مشعر بأنه فتح شديد. وفي الفتح عبرة لأن السماوات كانت ملتئمة فإذا فسد التئامها وتخللتها مفاتح كان معه انخرام نظام العالم الفاني قال تعالىإذا السماء انشقت } الانشقاق 1 إلى قولهيا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه } الانشقاق 6. فالتفتح والفتح سواء في المعنى المقصود، وهو تهويليوم الفصل } النبأ 17. وفُرع على انفتاح السماء بفاء التعقيب { فكانت أبواباً } أي ذات أبواب. فقوله { أبواباً } تشبيه بليغ، أي كالأبواب، وحينئذ لا يبقى حاجز بين سكان السماوات وبين الناس كما تقدم في قوله تعالىتعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } المعارج 4. والإِخبار عن السماء بأنها أبواب جرى على طريق المبالغة في الوصف بذات أبواب للدلالة على كثرة المفاتح فيها حتى كأنها هي أبواب وقريب منه قوله تعالىوفجرنا الأرض عيوناً } القمر 12 حيث أسند التفجير إلى لفظ الأرض، وجيء باسم العيون تمييزاً، وهذا يناسب معنى قراءة التشديد ويؤكده، ويقيد معنى قراءة التخفيف ويبينه. و { كانت } بمعنى صارت. ومعنى الصيرورة من معاني كَان وأخواتها الأربع وهي ظَلَّ، وبَاتَ، وأَمسى وأَصبح، وقرينة ذلك أنه مفرّع على { فتحت } ونظيره قوله تعالىفإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان } الرحمٰن 37. والأبواب جمع باب، وهو الفُرجة التي يُدخل منها في حائل من سور أو جدار أو حجاب أو خيمة، وتقدم في قوله تعالىوغلقت الأبواب } في سورة يوسف 23 وقولهادخلوا عليهم الباب } في سورة العقود 23.