الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً } * { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً }

هذا بيان لما أجمله قولهعن النبإ العظيم الذي هم فيه مختلفون } النبأ 2 ـــ 3 وهو المقصود من سياق الفاتحة التي افتتحت بها السورة وهيأتْ للانتقال مناسبة ذكر الإِخراج من قولهلِنخرج به حبّاً ونباتاً } النبأ 15 الخ، لأن ذلك شُبه بإخراج أجساد الناس للبعث كما قال تعالىفأنبتنا به جنات وحب الحصيد } في سورة ق 9 إلى قولهكذلك الخروج } في سورة ق 11. وهو استئناف بياني أعقب به قولهلنخرج به حباً ونباتاً } النبأ 15 الآية فيما قصد به من الإِيماء إلى دليل البعث. وأكد الكلام بحرف التأكيد لأن فيه إبطالاً لإِنكار المشركين وتكذيبهم بيوم الفصل. ويومُ الفصل يوم البعث للجزاء. والفصل التمييز بين الأشياء المختلطة، وشاع إطلاقه على التمييز بين المعاني المتشابهة والملتبسة فلذلك أطلق على الحكم، وقد يضاف إليه فيقال فصل القضاء، أي نوع من الفصل لأن القضاء يميز الحق من الظلم. فالجزاء على الأعمال فصل بين الناس بعضهم من بعض. وأوثر التعبير عنه بيوم الفصل لإِثبات شيئين أحدهما أنه بَيَّن ثبوت ما جحدوه من البعث والجزاء وذلك فصل بين الصدق وكذبهم. وثانيهما القضاء بين الناس فيما اختلفوا فيه، وما اعتدى به بعضهم على بعض. وإقحام فعل { كان } لإِفادة أن توقيته متأصل في علم الله لِما اقتضته حكمته تعالى التي هو أعلم بها وأن استعجالهم به لا يقدّمه على ميقاته. وتقدميوم الفصل } غير مرة أخراها في سورة المرسلات 14. ووصف القرآن بالفصل يأتي في قوله تعالىإنه لقول فصل } في سورة الطارق 13. والميقات مفعال مشتق من الوقت، والوقت الزمان المحدَّد في عمل ما، ولذلك لا يستعمل لفظ وقت إلا مقيداً بإضافة أو نحوها نحو وقت الصلاة. فالميقات جاء على زنة اسم الآله وأريد به نفس الوقت المحدد به شيء مثل مِيعاد ومِيلاد، في الخروج عن كونه اسم آلة إلى جعله اسماً لنفس ما اشتق منه. والسياق دل على متعلق ميقات، أي كان ميقاتاً للبعث والجزاء. فكونه { ميقاتاً } كناية تلويحية عن تحقيق وقوعه إذ التوقيت لا يكون إلا بزمن محقق الوقوع ولو تأخر وأبطأ. وهذا رد لسؤالهم تعجيله وعن سبب تأخيره، سؤالاً يريدون منه الاستهزاء بخبره. والمعنى أن ليس تأخر وقوعه دَالاَّ على انتفاء حصوله. والمعنى ليس تكذيبكم به مما يحملنا على تغيير إبانة المحدد له ولكن الله مستدرجكم مدة. وفي هذا إنذار لهم بأنه لا يُدرَى لعله يحصل قريباً قال تعالىلا تأتيكم إلا بغتة } الأعراف 187 وقالقل عسى أن يَكون قريباً } الإسراء 51. و { يوم ينفخ في الصور } بدل من { يوم الفصل }. وأضيف { يوم } إلى جملة { ينفخ في الصور } فانتصب { يوم } على الظرفية وفتحته فتحة إعراب لأنه أضيف إلى جملة أولها مُعرب وهو المضارع.

السابقالتالي
2